حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - لم تتوفر الفرصة النموذجية لصالح العدو الإسرائيلي ومشروعه الاستعماري لبلع فلسطين، باستثناء قطاع غزة، كما هي متوفرة له اليوم على المستويات الثلاثة:        1 – انقسام وضعف فلسطيني من كارثة الانقلاب الحمساوي سنة 2007 إلى الآن،        2 – الحروب البينية العربية التي دمرت سورية والعراق وليبيا واليمن، واستنزفت قدرات الخليجيين المالية، وأضعفت دور مصر والجزائز والمغرب، 3 – تغيير الأولويات الأوروبية نحو مناهضة الإرهاب ومعالجة تدفق اللاجئين نحو أوروبا.
ومقابل هذه الكوارث يتمتع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بقدرات ذاتية سياسية واقتصادية وتكنولوجية واستخبارية متفوقة، ونفوذ غير مسبوق من حيث القيمة والتوسع والمضمون، ودعم أميركي عميق المستوى والفكر والتفاهم والاندماج بين إدارتي نتنياهو وترامب، وعليه بدأت المستعمرة جني ثمار احتلالها لما تبقى من فلسطين العام 1967، بفرض شرعية احتلالها وتوسعها، وخطة ترامب وبرنامج إدارته مكرسة لتشريع برنامج التوسع الإسرائيلي من خلال سياسة الإملاءات عبر خطواتها التعسفية الضاغطة، وفرض الرؤية الإسرائيلية لإنهاء حقوق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وبدأت بالمحطة البرنامجية التدريجية الأولى يوم 6 / 12 / 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية ونقل السفارة الأميركية إليها، وسلسلة إجراءات عقابية ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته من خلال: 1 – حجب المساعدات المالية عن "الأونروا" لشطب دورها ووظيفتها، 2- وقف المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية لإضعافها وشل وظائفها، 3 – غلق السفارة الفلسطينية في واشنطن وغلق القنصلية الأميركية في القدس لإنهاء التعامل المتبادل الفلسطيني الأميركي، وغيرها من الإجراءات رداً على موقف منظمة التحرير وسلطتها الوطنية برفض خطة ترامب ومقدماتها، ورفض استقبال مبعوثيه الثلاثة كوشنير وغرينبلات وفريدمان.
الخطوة الأميركية الأولى تمت يوم 6 / 12 / 2017، وها هي الخطوة الثانية تليها في الدعوة لعقد المؤتمر الاقتصادي في الدوحة عاصمة البحرين يوم 25 حزيران 2019، تطبيقاً لخطة نتنياهو المعلنة المتمثلة بالحل الاقتصادي لتحسين الوضع المعيشي لفلسطينيي غزة وما تبقى من سكان الضفة الفلسطينية مقابل تحقيق غرضين أولهما إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، وثانيهما شطب قضية اللاجئين وحقهم في العودة.
ومثلما رفض الفلسطينيون خطوات ترامب الأولى التي بدأت بشأن القدس وما تلاها، أعلن الفلسطينيون رفضهم لفكرة عقد المؤتمر الاقتصادي المقبل؛ لأن هذا المؤتمر تم الترتيب له، وبرمجة دعواته، ووضع أجندته، دون التشاور معهم، وقد سبقته إجراءات عقابية ضدهم، فكيف يمكن التوفيق بين سياسة العقوبات المفروضة ضدهم وبين فكرة تقديم المساعدات لتحسين أوضاعهم المعيشية تحت بساطير الاحتلال، إضافة إلى ان الدعوة تستهدف المس بوحدانية تمثيل منظمة التحرير وسلطتها الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال دعوة رجال أعمال ومؤسسات مجتمع مدني لحضور هذا المؤتمر من خلف ظهر منظمة التحرير، وضد إرادتها، وتقزيم دورها القيادي.
الفلسطينيون باتجاهاتهم المختلفة رفضوا خطوات الإدارة الأميركية الأولى، وشكل الأردن رأس حربة سياسية لدعم الموقف الفلسطيني الرافض من خلال سلسلة خطوات: بدأت بالدعوة لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب يوم 10 / 12 / 2017 في القاهرة، والاشتراك مع الرئيس أردوغان لعقد قمة إسلامية طارئة في إسطنبول يوم 13 / 12 / 2017، وعقد اجتماع مماثل للاتحاد البرلماني العربي يوم 18 / 12 / 2017 في الرباط، وتوجت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 / 12 / 2017 في نيويورك، رفضت جميعها موقف وسياسات ترامب نحو القدس وفلسطين، ووجهت صفعات فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية متتالية لنهج إدارة الرئيس ترامب وتوجهاته مع المستعمرة الإسرائيلية وضد فلسطين وحقوق شعبها المجسدة بقراري الأمم المتحدة الأول قرار التقسيم وحل الدولتين 181، والثاني قرار حق عودة اللاجئين 194، وهما أساس الحل الواقعي والعملي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.