نابلس - نبيل عمرو - النجاح الإخباري - إذا كان العنوان الأمريكي لحلّ القضية الفلسطينية أو تصفيتها هو صفقة القرن، فإنَّ مضمون هذه الصفقة وامتداداتها ومجالات عملها تشمل الإقليم كلّه وأجزاء مهمة من العالم.

ذلك أنَّ مكونات القضية الفلسطينية جميعًا تتصل بصورة مباشرة بدول ومجتمعات العالم العربي من جانبين هامين لا مجال لتحييدهما، الأول تراثي حيث تربَّت الأجيال على أنَّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة بأسرها، ورغم كلّ التحولات التي حدثت على مدى الواحد والسبعين سنة التي هي عمر القضية الفلسطينية، في مجال الاهتمامات والأولويات، إلا أنَّ القضية ظلَّت حاضرة في اهتمامات الجماهير، بل وظلَّت عامل التوحيد السياسي الأهم للكيانات العربية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق.

والثاني هو أنَّ القضية الفلسطينية تموضعت بعمق في اهتمام عالم يزيد اتساعًا عن العالم العربي وهو العالم الإسلامي، الذي تشدّه للقضية الفلسطينية كلمة سحرية هي القدس، وتغذي التضامن مع حقوق شعبها تعاليم دينية ملزمة، سحبت تأثيرها على المواقف السياسية للدول والمجتمعات الإسلامية رغم التباين في تحالفاتها وطرق التعبير عن تضامنها والتزامها.

 غير أنَّ ما يبدو شاذًّا في مجال المعالجة الأمريكية لهذه القضية عبر صفقة القرن، هو أنَّ أمر آخر بل أقل الاهتمام في هذه الصفقة هو النظر إلى الحقوق الأساسية لأهل القضية، وتفضيل التطبيع الإقليمي بما في ذلك العربي مع إسرائيل، وجعله أولوية قصوى، وما يخيف الفلسطينيين حقًا هو أنَّ تحوّل صفقة القرن قضيتهم التي كانت مركزية إلى مكون جزئي متواضع من مكونات الحلّ الإقليمي التي تحتل إيران المركز فيه وفق منطق الولايات المتحدة.

الفلسطينيون كسائر الشعوب العربية لهم تحفظات على السياسة الإيرانية تجاه منطقة الخليج وسورية وغيرها، إلا أنَّ تحفظهم على السياسات والمواقف لم ولن يصل حدّ قلب الأولويات في المعالجة، فبوسع الدول العربية معالجة الشأن الإيراني بطرق ناجعة قوامها إنهاء التهديد الإيراني لبعض الدول العربية بانتهاج سياسة حسن الجوار والاحترام المتبادل وتنمية المصالح المشتركة، خط كهذا وأخال العراق تحاول العمل عليه لا يتطلب أيّ مساس بالالتزام العربي التقليدي والمستمر بالقضية الفلسطينية وحقوق شعبها.

 البعد الإقليمي والذي يجري العمل عليه يحتم على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تدرك استحالة نجاح أيّ حلّ مهما حشد من أجله دون أن يعلن الفلسطينيون رضاهم وموافقتهم عليه.

قد تتمكن أمريكا وإسرائيل من فرض سياستهما لبعض الوقت بحكم قوة النفوذ الأمريكي وقسوة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنَّ هذا "الفرض" سيراكم نارًا تحت الرماد وعامل تفجير كامن تحت السطح لا أحد يعرف متى يشتعل وأين يصل.

ثمَّ أنَّ القبضة الأمريكية التقليدية على الإقليم تراخت كثيرًا وفقدت قدراتها الماحقة على التأثير في المعادلات والسياسات، ما يجعل من أي حلّ تفرضه أمريكا وإسرائيل ليس فقط عرضة للتآكل بل سببًا لانفجارات أكيدة.

الحل سواء كان ثنائيًّا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو كان إقليميا على مستوى الشرق الأوسط الواسع، فلن تكتب له الحياة إذا لم يرض الفلسطينيون عن حصتهم فيه، والحصة الفلسطينية هي الحرية والاستقلال ونيل الحقوق كاملة مثلما أقرّتها الشرعية الدولية وأولها حقوق اللاجئين التي هي جذر وأساس القضية الفلسطينية.