عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - جاءت نتائج انتخابات الكنيست الـ21 في التاسع من نيسان / أبريل الحالي، لتؤكد صحة استنتاجات ابراهام بورغ، رئيس حزب العمل الأسبق، الذي دعا في 11 شباط / فبراير الماضي، في مقابلة مع إذاعة إسرائيل "كان" إلى حل حزب العمل، وتركه الساحة الحزبية، وإقامة شيء جديد مكانه، لأنه لم يعد مؤثرا في المشهد السياسي الإسرائيلي. وأضاف بورغ، الذي تولى ايضا رئاسة الوكالة اليهودية سابقا، ان حزب العمل أشبه "بحيوان أليف جرى دهسه في طريق عام". وتابع "هذا مؤلم لكن زحمة السير كبيرة جدا، وينبغي إخلاؤه من الطريق". وما يؤكد صحة أقوال بورغ، ان حزب العمل الإسرائيلي لم يحصل إلا على ستة مقاعد وبالعافية. ولم يعد له تأثير في الشارع الإسرائيلي، وبات على هامش الحياة الحزبية والسياسية تحت قيادة آفي غباي، الليكودي السابق. 
وكما يعلم الجميع أن حزب العمل، هو الحزب المؤسس والقائد لدولة إسرائيل الاستعمارية، وتأسس عام 1930 من اتحاد القوى التالية: "بوعالي تسيون" و"حزب التيار العمالي" و"هابوعيل هاتسعير". وتعود الجذور لفكرة نشوئه لفترة الهجرة الصهيونية الثانية لفلسطين اعوام 1905 / 1914. وكان الحزب يقود الحركة الصهيونية، وعصابتي "الهاجاناة" و" البلماخ" الإرهابيتين، والهستدروت (اتحاد نقابات عمال إسرائيل)، وقاد إسرائيل منفرداً طيلة أعوام 1948/1977، ثم عاد وتولى الحكم ما بين 1992 و1996، وما بين 1999 و2001، وشارك في حكومة ائتلافية مع الليكود 1984 و1990. ومن ابرز زعمائه: بن غوريون، مؤسس دولة إسرائيل، الذي انشق عن الحزب مع موشي دايان وشمعون بيريس عام 1965، وشكل حزب "رافي"، الذي اندثر لاحقا، واسحق رابين، وليفي اشكول، وغولدا مائير، وإيهود باراك... إلخ. 
وحزب العمل، هو، الذي وقع اتفاقية أوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في ايلول/سبتمبر 1993، وكان يصف نفسه بالحزب العمالي الاشتراكي، وهو عمليا ليس له علاقة بأي من الصفتين، لأنه حزب استعماري بامتياز، أضف إلى ان رئيسه الحالي، هو رأسمالي، وكانت رئيسته الأسبق، تسيبي ليفني من دعاة الخصخصة في إسرائيل. مما افقد الحزب هويته، وسماته "الفكرية السياسية" والاجتماعية، وضاعت ملامحه تماما في زحمة نشوء وتكاثر الفسيفساء الحزبية الصهيونية. وهو ما أشار له إبراهام بورغ. 
والحقيقة الهامة المستخلصة من تجربة حزب العمل، وغيره من القوى والأحزاب التاريخية في إسرائيل وغيرها، ان التاريخ لا يرحم ولا يحمل الأحزاب، وميراث أي قوة حزبية، يذهب مع الريح مع تراجع مكانتها الحزبية والسياسية، لأن مقصلته جاهزة للضغط على رقاب المتكئين على سلالمه ومصاعده، التي تأكلها الرطوبة والتعفن نتيجة الإفلاس، والهزيمة، وغياب الهوية الخاصة بهذا الحزب، أو ذاك. 
نعم التاريخ لم يرحم حزب العمل الإسرائيلي، وآن الأوان لأن يشيعه الشارع وقواه السياسية، غير آسفين على اندثاره، واضمحلاله نتاج سياساته، وتخلي زعاماته التاريخية عن دورها، وتسليم رقابها لقيادات وافدة من الليكود اليميني الرأسمالي. فهذا غباي، جاء للحزب بعد استقالته من حزب كولانو في أيار / مايو 2016، وتولى قيادة حزب العمل في 10 تموز / يوليو 2017، يعني بعد عام فقط، وهو ما يكشف عن خواء الحزب، وافتقاده لقيادات ذات كاريزما، ونتيجة التجاذبات البينية بين أقطابه المتهافتة والضعيفة، وأيضا لأن الشارع الإسرائيلي بات منزاحا نحو اليمين واليمين المتطرف الصهيوني، وان يأتي الحزب لينافس الليكود على الزعامة بذات البضاعة، لن يفلح، وهو ما أكدته تجربة الحياة الحاضرة والآنية.
ومن سمات المدرسة الحزبية الصهيونية، انه لا وجود لضابط فكري أو سياسي أو اجتماعي، لأنهم جميعا من ذات الخلفية الاستعمارية الصهيونية، الأمر الذي يسمح لقادة الأحزاب وكوادرها بالتنقل دون تحفظ بين هذا الحزب وتلك الحركة، لأنه لا يجد ما يحول بينه وبين الأفكار والمشاريع السياسية والاجتماعية الاستعمارية لأي حزب ينتقل إليه، أو يسعى لتأسيسه مع عدد من أقرانه. ومن الأمثلة على ذلك، بن غوريون انشق عن حزبه "ماباي"، وشكل حزبا بديلا، كما اشرنا سابقا، وكذلك فعل شارون، عندما انشق عن الليكود، وشكل "كاديما" 2005، وبيريس وغباي.. إلخ، لذا النتيجة المنطقية، ان يغادر حزب العمل المشهد الحزبي والسياسي، ويبحث اعضاؤه عن مكان آخر لهم غير حزبهم، الذي بات ميتا عمليا، واكرام الميت دفنه.
[email protected]

الحياة الجديدة