عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - أدلى وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش بتصريح لصحيفة "ذا ناشيونال" الصادرة في أبو ظبي الخميس الماضي، ونقلته وكالة "رويترز"، دعا فيه إلى تسريع التطبيع بين الدول العربية ودولة الاستعمار الإسرائيلية، معتبرا أن ذلك يساعد على التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي. وأضاف الوزير الإماراتي قائلا: منذ سنوات عدة اتخذ قرار عربي بعدم التواصل مع إسرائيل. لكن بنظرة إلى الوراء، كان هذا القرار خاطئا للغاية!".

وخلص قرقاش إلى، أن هناك ضرورة لما سماه "تحولا استراتيجيا" في العلاقة بين العالم العربي وإسرائيل، معتبرا أن هذا التحول يتطلب تحقيق تقدم على صعيد السلام". وعمق استخلاصه بالتخلي عن مبادرة السلام العربية، وأهداف الشعب الفلسطيني، عندما قال: "إن حل الدولتين لن يكون مجديا، لأن وجود دولة (فلسطينية) مضمحلة لن يكون عمليا".

بنظرة سريعة لما أدلى به المسؤول الإماراتي، نلحظ انه لم يأت بجديد، لاسيما وأن الدولة الشقيقة خطت خطوات متقدمة في حقل التطبيع مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، التي لها وجود تمثيلي تجاري فيها، وتمت مشاركات رياضية إسرائيلية قبل فترة وجيزة، ورفع العلم، وعزف النشيد الإسرائيلي على أرض الإمارات العربية المتحدة، التي لو كان المغفور له، الشيخ المؤسس، زايد بن سلطان آل نهيان، موجودا لما جرى ما يجري الآن، ولما سمح للوزير قرقاش ان يتفوه بما تفوه به، لأنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا.

ونعود لجادة سؤال الوزير الإماراتي، هل التطبيع القائم على قدم وساق الآن مع إسرائيل المارقة، أعطى أية بارقة أمل بالحل السياسي المتفق عليه، والمستند إلى مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، أم انه ينتج مزيدا من التعنت والرفض الإسرائيلي لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967؟ وهل تسابق العديد من الأنظمة العربية على التطبيع العلني والسري قدم نموذجا يحتذى به، أم انه أدى لتداعيات خطيرة، وصفقات مشبوهة ومرفوضة، مثل صفقة القرن الأميركية؟ وماذا يمكن ان يقول قرقاش عن مصادقة الكنيست الإسرائيلي في 19 تموز/ يوليو 2018 على "قانون أساس القومية للدولة اليهودية"، الذي يعتبر أن تقرير المصير في فلسطين العربية التاريخية محصور باليهود الصهاينة، وسمح بالاستيطان الاستعماري في كل بقعة من أرض فلسطين، ورفض منح الأشقاء الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية المساواة في الحقوق، وشطب مكانة اللغة العربية؟ هل مثل هذا القانون يسمح من حيث المبدأ بإقامة سلام حتى في نطاق الدولة الواحدة؟ وإذا كانت من وجهة نظر الوزير الإماراتي الدولة الفلسطينية مضمحلة، فماذا عن بعض دول الخليج الصغيرة من حيث الجغرافيا وعدد السكان؟ أو ليست هذه الدولة المضمحلة تمثل هدفا لتحقيق بعض الحقوق التاريخية لأبناء الشعب الفلسطيني، ووفق قرارات الشرعية الدولية، وتؤمن السلام الممكن والمقبول فلسطينيا وإسرائيليا وعربيا وأمميا؟

مما لاشك فيه، ان الوزير أنور قرقاش أغمض عينيه عن الحقيقة، وتجاهل الواقع، ونسي أن إسرائيل الكولونيالية أقيمت في فلسطين للسيطرة على العالم العربي ككل، وليس على الأرض الفلسطينية فقط، وهي الترجمة العملية لمؤتمر كامبل نبرمان 1905 / 1907، واتفاقية سايكس بيكو 1916، ووعد بلفور المشؤوم 1917. وتجاهل كليا (قرقاش) كفاح الشعب الفلسطيني وثورته المعاصرة وإنجازاتها، وتضحياتها الجسام، ومواصلة القيادة الشرعية، وممثلها الشرعي والوحيد، منظمة التحرير، وذراعها السلطة الوطنية الكفاح لتحقيق هدف إنجاز الاستقلال والحرية والسيادة على الأراضي المحتلة عام 1967، أراضي دولته على مساحة الـ22% من فلسطين التاريخية، وعاصمتها القدس الشرقية، التي يربض على ترابها المقدس المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وطعن أشقاءه في الظهر بدل أن يكون سندا لهم، وداعما لنضالهم التحرري العادل والمشروع.

خانت الذاكرة الوزير الإماراتي، وجانب الحقيقة، والتف على الواقع بعبارات ممجوجة، واسقط رغباته المتهافتة، والمتساوقة فعلا مع التحولات الإستراتيجية لدولته، ولبعض الدول العربية المتورطة معها في التطبيع. وتصريحه مرفوض جملة وتفصيلا، ومدان فلسطينيا وعربيا وحتى أمميا. واتمنى عليه، ان يداري عوراته بالصمت، وعدم الإدلاء بأية مواقف، ليغطي على عار التطبيع المجاني الجاري مع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون. وفي الفم ماء كثير، لكن محبة الإمارات وشعبها، وشيخها المؤسس، رحمة الله عليه زايد، حالت دون ما يجب ان يقال بالفم الملآن، لعل أنور قرقاش يصمت، ويفكر الف مرة فيما قال، ويراجع ذاته، هو ومن يقف خلفه.

[email protected]