غزة - تغريد عطاالله - النجاح الإخباري - لا يجد ناجي عبيّات ، أحد مبعدين كنيسة المهد ، ضرورة لوجود مناسبة لتناول قضيته ، فكل وقت يُعاد فيه استذكار مأساة ابعاد كنيسة المهد هو مناسبة حقيقية، لتجديد الأمل لديه بالعودة لمكان سكناه مدينة بيت لحم.

خلال الأيام المقبلة تنتظر العائلة حفلة زفاف آية عبيّات هي الفرحة الأولى، لناجي عبيّات أحد مبعدين كنيسة المهد ، لكنّ الفرحة منقوصة ، يقول عبيّات : حينما تسألني ابنتي عن عائلتها وأقربائها لماذا لم يحضروا حفلة الزفاف ، سأقول لها : "أنّي أقربائها كلهم ، عمّها وخالها وأولاد عمومتها ، وكل من تشعر بالحنين إليهم" ، لكنّ غصّة الحزن هذه ، لم تُغيّب ملامح الفرح في البيت ، قبيل حفلة الزفاف ، كما يروي الأب عبيّات ،تعويضًا عن كل تلك الأحزان التي تعيشها أسرته،بسبب افتقادهم لمشاركة العائلة في مناسبة كهذه ، لم تكن المناسبة الأولى في حياة المبعدين ، إنما سبقتها عدة مناسبات مماثلة لمبعدين آخرين ، عاشوا نفس التجربة المنقوصة.

هي واحدة من تجارب التواصل الاجتماعي للمبعدين وأهالي غزة، وبطبيعة الحال "لم يكن التكيّف صعب ،لأنّ الإبعاد تمّ من مدينة إلى مدينة داخل الوطن الواحد"، بحسب الناطق الاعلامي باسم مبعدين كنيسة المهد فهمي كنعان، هو من نجح أخيرًا ، في الانتقال إلى تركيا ، حيث التقى بوالدته هناك ، بعد غياب أكثر من ستة عشر عامًا ، ليتم توثيق هذه اللحظات بعدسات كاميرات الصحافيين ، يُشار إلى نماذج أخرى من الإبعاد ، تمكنّت من الالتقاء بذويها أثناء موسم الحج.

رامي مراد، ناشط اجتماعي ، هو الآخر، يرى أنّ مبعدي كنيسة المهد لم يواجهوا صدمة ثقافية بسبب انتقالهم من مكان سكناهم بيت لحم إلى غزة، وبالتالي لم تكن هناك فجوة كبيرة بين المجتمعين في كلا المدينتين ، مشيرًا إلى المعاناة التي يوجهونها أهالي الضفة الغربية مقارنة مع  أهالي قطاع غزة  ، في نفس الوقت ، أشار مراد إلى تسهيلات للسفر عبر حاجز  رفح ، ما يسمح لهم ، بزيارة أهاليهم لهم في غزة من خلال انتقالهم مصر والأردن وصولًا إلى غزة.

حول الموضوع ، يقول الحقوقي راجي الصوراني  ، أنّ السلطة الوطنية ارتكبت خطأ فادحاً في التوقيع على اتفاقية قضية الإبعاد ، بالذات من قبل المبعدين أنفسهم ، هم من وافقوا على الإبعاد ، الأهم والأخطر أنّ الدول المستضيفة رحبّت بناءًا على موافقة الطرفين والاحتلال الاسرائيلي.

 وردا على سؤال يتعلق بالإهمال الذي تتعرض له قضية المبعدين كما يقولون ،أكد الصوراني : "حاولنا الاحتجاج على قضية الابعاد أمام المحاكم الاسرائيلية ،لكنّها كعادتها ، تعطي غطاء قانوني مخالف للقانون الانساني ، يمنع عودة هؤلاء إلى مكان سكناهم" ، نافيًا أن تكون القضية ماتت، بل هناك عمل دؤوب وتواصل مع المبعدين ، في السياق ذاته ، يرى الباحث طلال أبو رحمة أنّ القضية مهملة تمامًا ويتم التعامل معها بشكل موسمي ، لتضاف إلى العديد من القضايا ،كأنها واحدة من الذكريات ،أمّا بالنسبة للباحث صلاح عبد العاطي فالقضية في حكم المسكوت عنها بسبب الانقسام السياسي الفلسطيني.

في سياق  التواصل الاجتماعي للمبعدين وذويهم، رائد عبيّات، مبعد آخر من مبعدين كنيسة المهد ،فقد قرّر على غرار أربعة مبعدين سبقوه بهذا القرار ، وبعد قرابة ستة عشر عامًا ، إعادة زوجته وأولاده إلى بيت لحم ، حين سؤاله عن سبب هذا القرار ، قال : " رأيت أنّ هذا من مصلحة عائلتي ، أولادي كبروا وأنهوا دراستهم الجامعية ، ولم يحصلوا على عمل ، فكان من الأفضل ، أن يعودوا إلى بيت لحم ، حيث أقربائهم وعائلتهم، هو قرار صعب ، لكنّي رأيت أنّه يجب أن تكون هناك تضحية من أجل عائلتي ، وفعلت".

ردّا على احتجاج مبعدين كنيسة المهد على عدم وجود برنامج زيارة محدد لأهاليهم ، بحيث يمكنهم زيارتهم بشكل دوري ، مثلهم كمثل قضية الأسرى في السجون الاسرائيلية مثلًا ، تحدّث مسئول اللجنة المدنية في غزة صالح الزق ، قائلًا : "هذا الموضوع سياسي بامتياز وبالتالي ، فالحلول سياسية ".

 ويضيف: "يفترض اعادتهم إلى بيت لحم منذ وقت طويل ، فليس هناك مبرر قانوني أو سياسي ، يمنعهم من العودة لمكان سكناهم " ، مشيرًا إلى محاولات مكثفة للعمل على ايجاد آلية للتواصل بين المبعدين وذويهم في الضفة الغربية ، في حال استمر الوضع على ما عليه ، لكنّ كل تلك المحاولات لم تنضح عن أي نتائج مرضية للمبعدين ،بحسب الزق.

يُشار إلى وجود حملة بعنوان "عودة مبعدين كنيسة المهد أحياء" ترأسها كفاح حرب ، وهي تدعم تجربة حصار كنيسة المهد، وتدعو لعودة المبعدين أحياء إلى بيت لحم ، تأُثرًا بموت زوجها عبد الله داوود خارج موطنه ، بعد إمضائه فترة إبعاده في قبرص.

 تقول حرب : " الإبعاد عقوبة جماعية وليست فردية " ، مستشهدة بتعريف الأمم المتحدة للإبعاد : "هو نقل الانسان من مكان سكناه إلى مكان آخر داخل  نفس البلد وحرمانه من مكانه الأصلي".

من الجدير ذكره ، هناك العديد من الأعمال التلفزيونية التي تناولت مأساة الإبعاد إلى غزة ، ويتم الاشارة إليها حاليًا  خلال الذكرى السنوية للإبعاد ، رغم كل الجهود المكثّفة للتذكير بملف زيارة الأهالي لمبعدين قطاع غزة ، لم تفلح أي تنسيقات أمنية ، في الوصول إلى أيّ تبديل في الموقف الاسرائيلي ، حيال الأمر.

قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بتاريخ 10 أيار 2002 م ، بإبعاد تسعة وثلاثين مواطنًا احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وفقاً لاتفاقية فلسطينية،إسرائيلية ؛ من أجل إنهاء حصار قوات الاحتلال للكنيسة على مدى 39 يومًا ،وتم إبعاد 13 منهم إلى خارج الوطن ، وتم نقلهم إلى قبرص، ثم وزِّعوا على عدة دول أوروبية ؛ و26 فلسطينيًا تم إبعادهم إلى قطاع غزة بواسطة حافلات.