عبد الغني سلامة - النجاح الإخباري -  تدور أحداث فيلم "ليلة الإثني عشر عاما" في الأوروغواي، في حقبة الدكتاتورية العسكرية، وهو مقتبس عن قصة حقيقية لثلاثة سجناء سياسيين، أمضوا فترة اعتقالهم الطويلة في ظروف رهيبة بالغة السوء، أحد هؤلاء الثلاثة هو "خوسيه موخيكا" الذي سيصبح رئيساّ للبلاد (2010 - 2015). 
الفيلم من تأليف وﺇخراﺝ "ألفارو بريشنير"، إنتاج 2018.
تبدأ أحداث الفيلم في ليلة خريفية من العام 1973، بعد أن سيطر الجيش على الحكم في الأوروغواي (3.5 مليون نسمة، على مساحة 175 ألف كلم2)، يخطف الجنود ثلاثةَ نزلاء من سجن "توبامارو"، ويتم عزلهم في زنازين انفرادية، ولأن السلطات لم تتمكن من قتلهم بداية الأمر، قررت أن تتخذ منهم رهائن، لمساومة الثوار عليهم، وأثناء فترة اعتقالهم تعاملهم بوحشية شديدة، وتحرمهم من أدنى حقوقهم الإنسانية، بما فيها دخول الحمّام. 
في بداية سبعينيات القرن الماضي، تأزمت الأوضاع في الأوروغواي، وتصاعد الصراع بين الجيش (الذي كانت تسيطر عليه قيادات فاسدة) وجبهة "توبامارو" اليسارية الثورية، إلى أن استولى الجيش على السلطة في العام 1973، وفرض الأحكام العرفية، وبدأ بحملة اعتقالات واغتيالات للتخلص من حركة التحرير الوطني. 
وقد استمر الحكم الدكتاتوري حتى العام 1984، حيث اندلعت احتجاجات شعبية واسعة النطاق ضد الحكم العسكري، ومن ثم أجريت انتخابات عامة، وأعيدت الديمقراطية من جديد. 
وفي العام التالي أُفرج عن المعتقلين السياسيين، بمن فيهم أبطال الفيلم الثلاثة (أحدهم سيكون من أهم الكتّاب والروائيين اللاتينيين، والثاني سيشغل منصب وزير الدفاع، والثالث سيصبح رئيس الجمهورية في وقت لاحق). 
يركز الفيلم على معاناة السجناء الثلاثة مدة 12 عاماً، في زنازين قذرة، وبظروف لا إنسانية، بما يفوق طاقة البشر على التحمل، كما يصور صراعهم الداخلي الرهيب، ونضالهم ضد ظروف اعتقالهم الفظيعة حتى لا يفقدوا إنسانيتهم، ولا يفقدوا ذاكرتهم، أو تتراخى عزيمتهم عن الأهداف النبيلة التي كافحوا من أجلها.. ففي إحدى اللقطات، أثناء زيارة والدة "موخيكا" يقول لها إنه لم يعد قادراً على المواجهة، فتطلب منه والدته المسنّة أن يصبر ويتحمل، فيخبرها أنه لم يعد يعرف كيف، فتقول له: إن الإنسان في داخلك هو من سيرشدك إلى الطريق، وهو من يمنحك القدرة على الصمود. 
ينتهي الفيلم بمشهد الإفراج عن السجناء، وعناقهم أهاليهم.. وبعدها يبدأ فصل جديد لا يقل إثارة من حياتهم، خاصة "موخيكا"، الذي سيُنتخَب بعد سنوات "سيناتور"، ثم يعين وزيراً للزراعة والثروة السمكية، ثم ينتخب رئيساً للبلاد.
الجانب المثير في قصة "موخيكا"، أنه ظل وفياً لمبادئه، وأميناً على إنسانيته التي لم تخبُ، لا في ظروف السجن الصعبة والرهيبة، ولا في فترة توليه الرئاسة..
فمنذ أول يوم لتسلمه السلطة رفض "موخيكا" الإقامة بالقصر الرئاسي في العاصمة "مونتيفيديو"، بل خصص بعض أجنحته مأوى للمشردين، ثم تنازل عن 90% من راتبه الشهري لصالح جمعيات خيرية، ليعيش على 1250 دولاراً فقط، تكفيه لحياة متقشفة زاهدة، في منزل صغير مساحته 45 م2، تلتهم الرطوبة جدرانه شبه الداكنة والمتداعية، في مزرعة ريفية متواضعة، مع زوجته "لوسيا"، التي تتبرع أيضا بجزء من راتبها، مفضلين تلك الحياة البسيطة، على حياة الرؤساء والقادة، التي عادة ما تتسم بالبذخ والرفاهية.. بلا حساب في البنك، وبلا ديون. حتى استحق لقب "أفقر رئيس في العالم".
وخلال فترة حكمه، التي اعتبرها الكثيرون الفترة المثالية في البلاد، رفض تعيين خدم في بيته، ولم يتنازل عن سيارته القديمة من نوع فولكسفاجن موديل 1987، التي طاف بها جميع أنحاء البلاد، مصراً على تجنب المواكب الضخمة والسيارات الفاخرة. 
ورغم أن شعبه يحبه ويحترمه، إلا أن هناك من يكرهه، ربما بسبب سياساته الاقتصادية الاشتراكية، فقد تعرض لإطلاق النار 6 مرات وتعرض لإصابات مختلفة؛ ومع ذلك كان يسير وحيداً، دون أي حراسة.
ركز "موخيكا" على إعادة توزيع الثروة في بلاده بشكل عادل، وقد تمكنت حكومته من خفض معدل الفقر من 37% إلى 11%، وشهدت الأوروغواي خلال خمسة أعوام من حكمه، انخفاضاً كبيراً في معدلات الفساد، وتضاعُف مؤشرات الشفافية، حيث سجلت المنظمات الدولية أوروغواي الدولة الأقل فساداً في أميركا اللاتينية، ويرجع ذلك إلى إحساس "موخيكا" العميق بالفقراء والكادحين، فهو لم ينسَ ظروف نشأته الفقيرة، وأنه اشتغل في صباه بائع زهور في شوارع العاصمة.
كان "موخيكا" من أشد المعارضين للحروب، ويقول: "إن العالم ينفق مليارات الدولارات على الحروب، ولو أنفق ربعها على التنمية لتغير وجه العالم"، وكان دوماً يقترح المفاوضات حلاً وحيداً للصراعات، ويصر أن الطريقة الوحيدة لضمان السلام العالمي هي بث روح التسامح. ومن شعاراته: "التقشف هو جزء من النضال من أجل الحرية". 
أما أولوياته في الحكم، فكانت التعليم، حيث قال: "لا بد من الاستثمار أولاً في التعليم؛ فالشعب المتعلم لديه أفضل الخيارات في الحياة، ومن الصعب أن يتعرض لخداع الفاسدين". 
ومن أقواله أيضاً: "السلطة لا تغير الأشخاص، ولكنها فقط تكشف حقيقتهم". 
بعد أن أنهى فترة رئاسته، لم يحاول تغيير الدستور، ولم يسعَ لتمديد حكمه، بل سلَّم السلطة لمن أتى بعده بسلاسة، واختار العيش في حياة بسيطة، على سجيته، ليكون مثلاً فريداً في التاريخ، في العدل والزهد.. وأنموذجاً للرئيس الذي يسعى لخدمة شعبه والتقرب منه، ليس بالشعارات فقط، وإنما بالعيش معه، وعدم التعالي عليه.
هل يذكّركم هذا بتصرفات وسلوك المسؤولين والرؤساء والوزراء في البلاد العربية؟