نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - من جديد، تثبت الولايات المتحدة، أنها العدو الأول لشعوب الأمة العربية وشعوب الأرض، التي تتوق للحرية والاستقلال، والتنمية والتقدم، لا يجوز أن يستمر البعض في تنسيب السياسية الأمريكية العدوانية تجاه كل شعوب الأرض على أنها سياسة شخص واحد أسمه ترامب، وكأنه اغتصب الحكم رغما عن المجتمع الأمريكي.

أمريكا انتجت دونالد ترامب وتحكمها مؤسسات دستورية فاعلة يهيمن عليها الحزبان الكبيران الجمهوري والديمقراطي فضلا عن مؤسسات صنع القرار. لو أن السياسة والمصالح الأمريكية تخالف إلى حدود كبيرة، سياسة الإدارة لاختلف الأمر، ولما تحسنت شعبية ترامب في الشارع الأمريكي.

ولمن يتحدث عن هيمنة اللوبي الصهيوني الأمريكي على السياسة في البيت الأبيض، فإن الأمر لا يعدو عن كونه حالة اندماج و توافق مصالح بين أطراف الطغمة الرأسمالية التي تدير اقتصاد البلاد بغض النظر عن انتماءاتها العرقية أو الدينية أو السياسية. لا يتعلق الأمر إطلاقا بمدى إعجاب الرئيس الأمريكي ومشاركته بعض خصال نتنياهو، حتى نفسر حجم و نوع المكافآت التي تتميز بالأهمية والتاريخية التي يتلقاها نتنياهو فالمسألة ليست شخصية على الإطلاق.

تتصل السياسة الأمريكية إزاء إسرائيل وجيرانها العرب والأعاجم، بجوهر الدور الذي تقوم به إسرائيل لتلبية المصالح الأمريكية في هذه المنطقة، الاستراتيجية والحساسة من العالم.

ترامب يقدم لإسرائيل هدية قيمة من جيوب وعلى حساب العرب، إذ يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان الذي تحتله إسرائيل منذ عام 1967.

هدية أخرى بعد هداياه على حساب الحقوق الفلسطينية في القدس، وفي ملف اللاجئين.

هدايا أخرى من شأنها أن تغذي و توسع دائرة الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة حتى لو كان أصحاب هذه الحقوق غير قادرين اليوم على استرداد حقوقهم، وهي أيضا هدايا تشير إلى هشاشة وضعف المنظومة الدولية، التي تتكفل بالحماية القانونية لأصحاب الحقوق عبر عشرات بل ربما مئات القرارات.

إذا هي إعلان حرب على العرب وعلى الأمم المتحدة الت وصفها ترامب وأركان إدارته بأنها منحازة للفلسطينيين، يعتقد البعض عن حق بأن ترامب يتجند ويجند إمكانيات وسياسات الدولة الأعظم، لدعم صديقه نتنياهو في الانتخابات التي ستجري بعد نحو أسبوعين ويقدم له حبل إنقاذ للتغلب على منافسه القوي بني غانتس.

غير أن هذا النوع من الهدايا يرتفع في مستوى خطورته إلى خطورة الوعد البريطاني المؤسس لدولة إسرائيل. يفعل ترامب ذلك من جيوب العرب، المفتوحة على المزيد من التقديمات السخية، لصالح سياسة تستهدفهم وتستهدف ثرواتهم ووجود واستقرار الأنظمة التي تفتح جيوبها وخزائنها لقاتلها. وفق هذه العقلية التي يتمتع بها ترامب فإن من غير المستبعد أن يكون اليوم قريبا الذي يعترف فيه لإسرائيل بالسيادة على الضفة الغربية أو أغلبية الأرض الفلسطينية.

ليس لأحد أن يستغرب هذا الأمر فالسياق واضح، طالما أن العرب غير قادرين على رد العدوان إلا بالشعارات والخطابات النارية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع حين يسأل التاريخ عما حصل ويحصل في هذه الفترة، فإن صفحاته لن تكفي في شرح الواقع الأليم الذي تمر به الأمة العربية، هذا الواقع الذي فتح شهية أعدائها لكي ينهشوا لحمها.

وبطبيعة الحال فإن الواقع الفلسطيني ليس بريئا من المسؤولية عن هذا التطاول الامريكي الإسرائيلي على الحقوق وعلى الوجود.

بل أن الانقسام والصراع الفلسطيني يشكل عاملا مساعدا ومسهلا لتنفيذ مخططات وسياسات دولة الاحتلال. لا يجد وزير الخارجية الأمريكية نفسه مضطرا لشرح ما يجري سوى أن يقول " أن الرب أرسل ترامب لحماية اليهود كما أرسل قبل 200 عام الملكة أستير زوجة الملك الفارسي خاشايارشا الأول لحمايتهم" فماذا يقول العرب؟.

بعد أيام تنعقد القمة العربية، وكالعادة، فإن العرب سيكتفون بإصدار بيانات الاستنكار والرفض، وإنما الحل أن يتمسكوا بالحقوق، لكنهم عمليا سيعودون إلى أجنداتهم و أولوياتهم الخاصة، وتمسكهم بذيول قاتليهم، أملا في إنقاذ الذات، لكنهم سيدركون يوما أنهم ما فعلوا إلا أنهم اختاروا طريق هلاكهم، وهلاك شعوبهم.