غزة - مارلين أبو عون - النجاح الإخباري - جمل وأرقي قاعات الأفراح والفنادق ومحلات البدل"، "تقسيط مريح وطرق جديدة تناسب إمكانياتك"،" احجز واحصل علي هديتك فوراً"

تلك العبارات أصبحت متداولة بشكل كبير في قطاع غزَّة المحاصر، من قبل مؤسسات وشركات تيسير الزواج، والتي تستهدف بشكل كبير الشباب غير القادر على تكاليف الفرح، فتقوم بتأمينه لهم، من صالة أفراح وغداء وكراسي، ومستلزمات حفلة الشباب، وبدلات العروسين، وغرفة النوم، وكوافير العروس، وفي بعض الأحيان تعطي هذه المؤسسات جزءًا من المهر، من باب التيسير على الشباب القبلين على الزواج.

هذا القرار الذي أصبح صعبًا على الكثيرين لصعوبة الأوضاع الاقتصادية خاصة، في ظلّ التكاليف الباهظة، الأمر الذي يدفع كثيراً من الشباب للاقتراض، ومن ثمَّ البدء في دوامة السداد بعد الزواج بأشهر قليلة، فوجد الشباب ضالتهم في جمعيات تُعلن عن شروطها، عبر وسائل الإعلام، وتؤكِّد استعدادها لتزويد العرسان بكلِّ ما ينقصهم، على أن يتم فيما بعد تسديده على شكل أقساط شهرية تبعاً للمبلغ.

تمضي الأيام ومحمد يطوي من عمره (35) عامًا، ولم يستطع بعد تجميع مال كافٍ للارتباط وتكوين أسرة، تحت إلحاح والدته التي حلمت أن ترى ابنها متزوجاً وتضم أحفادها كأيّ أم، فاقترحت عليه أن  يتوجّه إلى إحدى مؤسسات تيسير الزواج، وقد راقت له الفكرة.

محمد الأشقر تحدَّث لـ"النجاح الإخباري" عن معاناته في هذا الموضوع يقول: "حين توجَّهت لمؤسسة تيسير الزواج، اتطلعت على عروضهم، رأيت فيها مصباح علاء الدين الذي يجعل الشاب في حلم وردي وقد تحقَّقت كلَّ أمانيه، لكنَّهم اشترطوا عليّ أن أجلب كفيلًا،  فدخلت في مرحلة إحباط جديدة، لن أجد موظفًا يوافق على كفالتي فهم الطبقة الأفقر، لا أحد يستطيع سداد الديون البسيطة فكيف لهم أن يتكفلوني بمبلغ يفوق ال(2500$) ."

ويضيف الأشقر: "بعد عناء طويل كفلني قريب لي، بعد أن وقّعت ما يضمن حقه وطمأنته بأنَّني حصلت على عمل يمكنني من خلاله سداد الأقساط، وقد وافق على استحياء، وتمَّ ذلك وتزوجت، وبعد (3) أشهر شاء الله أن أفقد عملي فصاحب المطعم الذي أعمل به استغني عني وعن زميل لي، ومن بعدها بدأت الدنيا تظلم في عيني،  ولم أجد أيّ حل سوى أن أبيع ذهب زوجتي، كي أدفع أقساط المؤسسة، وأوفّر بعض الوقت للبحث عن بديل للعمل الذي خسرته.

ومرَّت الأشهر الثلاثة ولم أجد عملًا، ولم أستطع دفع ما علي من أقساط تراكمت، فقامت المؤسسة بالخصم من الكفيل، ما جعله يطالبني غاضباً، ولم أستطع الرد على اتصالاته "ولأنَّ ما باليد حيلة"، ولو كنت أعلم أنَّ ذلك سيحدث معي، لم أقدم قط على فكرة الزواج، وتفاجأت ببلاغ من مركز الشرطة تطالبني بالحضور، وبعدها بدأت الشرطة تطاردني لأنَّني لم أذهب اليهم، ولأنَّني أعلم مسبقاً أنَّهم سيحتجزونني حتى أدفع للكفيل".

وأوضح محمد أنَّه أصبح مطارداً من منزل لآخر، وإن تمكّن أخوته من توفير قسط للمؤسسة أو الكفيل، لن يستطيعوا توفيره الشهر الذي يليه، حتى تمَّ القبض عليه، وحُبس شهوراً طويلة قاسى فيهم مرارة وذل لم يكن يتوقعها.

ولفت محمد إلى أنَّه تفاجأ في السجن بوجود العشرات من الشباب، لنفس السبب، "ذمم مالية" ولكل واحدٍ منهم قصته.

وختم الأشقر حديثه: "ما ذنبي أنا والعشرات من شباب القطاع، نحن حاولنا أن نعيش بأبسط حقوقنا، لكن من يمسكون زمام الأمور فيها، لم يوفّروا لنا أبسط حقوقنا، ولم يوفّروا لنا فرص عمل نستطيع أن نعيش من خلالها بكرامة، فحسبي الله ونعم الوكيل على كلّ من تآمر على هذا الشعب وكفى".

حلمت بالزواج وانتهى بي الحال في السجن

خالد الفار شاب آخر لم يكن حظه بأحسن حظاً من محمد، فهو الآخر أراد أن تكون له أسرته، فمن هم بمثل عمره أصبح أبناءهم في المراحل الإعدادية، وهو مازال ينتظر يقول الفار لـ "النجاح الإخباري" :"تزوّجت عن طريق إحدى مؤسسات تيسير الزواج، وقد فرحت لأنّهم لم يطلبوا كفيلًا، المطلوب فقط التوقيع على سندات لحفظ حق المؤسسة في حال لم أستطع دفع الأقساط، ستطالبني بهم عن طريق المحكمة".

ويتابع : "بعد الزواج بـ(6) أشهر تقريباً، تبدَّل الحال معي للأسوأ، ولم أستطع سداد ما علي من أقساط، وذهبت للمؤسسة لإعطائي المزيد من الوقت، فلم أكن أتمنى أن تصل الأمور للشرطة والمحاكم، لكنَّهم أعطوني أيامًا قليلة للأسف لم تسمح لي بتدبير أموري، لينتهي بي الحال إلى السجن، وزوجتي حامل، وأقطن في منزل بالإيجار، مد لي أهل الخير يدهم ودفعوا عني قسطين،وها أنا خرجت لأبحث عن عمل في غزَّة المنكوبة".

وتمنى الفار لو أنَّه لم يتزوج: "ليتني بالمبلغ الذي دفعته هاجرت وبحثت عن عمل خارج غزة، وأمّنت مستقبلي ومستقبل عائلتي فيما بعد، ولكن يا ليت لن تنفع، فقد فات الأوان، لطالما حلمت بدخول قفص الزوجية ويكون لي ولد، إلا أنَّ الحياة قالت لي أدخل قفص الشرطة، متَّهمًا بالنصب والتهرب من الدفع".

من جهته أكَّد مدير مؤسسة النور لتيسير الزواج، معين أبو شملة، أنَّ مؤسسات تيسير الزواج، وجدت لكي ترفع عن كاهل الشباب الذي لا يستطيع الزواج، وليس لها ذنب في عدم قدرتهم على سداد الأقساط.

ولفت إلى أنَّ هذه المؤسسات ليست مؤسسات خيرية، فهي خدماتية، كما تعطي تأخذ، ولا أحد يمكن لومها إذا تقدَّمت بالشكوى على المتخلفين عن السداد.

وردًّا على سؤال عن وضع مؤسسته، وهل هناك متخلفين عن الدفع، والإجراءات التي يتخذونها، أجاب أبو شملة :"في حال تخلَّف أحدهم عن دفع الأقساط،  نتّصل به، ونطالبه بالقسط، وإن لم يستجب نرسل له إنذارًا أخيرًا، وإن لم يصل لتسوية مع المؤسسة، نتدخَّل  قانونيًّا، وللأسف أصبحنا نرى الكثير منهم بالنهاية لا يستطيعون دفع الأقساط."

ونبَّه أبو شملة إلى أنَّ بعض المؤسسات أقفلت أبوابها؛ لأنَّ أيَّة فكرة أومشروع مهما كان الهدف منه إنسانياً فهو فاشل في غزَّة.