محمد خليفة - النجاح الإخباري - تعد قضية فلسطين قضية العرب الأولى، وإليها تشخص أبصارهم من كل مكان. متمنين زوال الاحتلال، وعودة الحق إلى أهله من دون نقصان، ويشكل الموقف الرسمي العربي انعكاساً لموقف القاعدة الشعبية، ولذلك تتوالى المواقف العربية الداعمة لقضية فلسطين، عبر المؤسسات العربية الرسمية، مثل: الجامعة العربية، والبرلمان العربي. وإذا كانت الأولى هي جامعة للدول، فإن الثاني هو جامعة للشعوب. وهما بذلك يمثلان ضمير الأمة من الخليج إلى المحيط، وقد تم تأسيس هذا البرلمان بناء على اتفاق القادة العرب في مؤتمر القمة العربية في العاصمة الأردنية عمان عام 2001، بهدف تعزيز تلاقي الشعوب العربية، وبناء أسس الوحدة العربية على قواعد صلبة. ورغم الأزمات الكثيرة التي حلّت بالأمة من جراء التدخلات الخارجية والإقليمية في بعض الدول العربية، وما نجم عن ذلك من حروب وكوارث، فقد ظلت المؤسسات العربية الرسمية تضطلع بمهامها في الدفاع عن قضايا الأمة. وفي طليعتها قضية فلسطين التي ستبقى عصية على المحو والإلغاء بسبب الإصرار العربي على انتزاع الحق من المعتدين.

وتقف هذه القضية اليوم على مفترق طرق، خصوصاً بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، وبما يعني أن الدولة التي كانت راعية لعملية السلام سنوات طويلة، أصبحت الآن شريكاً في العدوان على الشعب الفلسطيني. وكان لا بد من موقف عربي حازم يجسد إرادة الأمة تجاه تلك التطورات الخطيرة، فكانت القمة العربية التي انعقدت في شهر إبريل/ نيسان الماضي، في السعودية، التي أطلق عليها «قمة القدس»، وشدد بيانها الختامي على تعزيز الدعم العربي لنصرة القضية الفلسطينية، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو/ حزيران من عام 1967، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، وشدد البيان الختامي للقمة على ضرورة الوقوف صفاً واحداً ضد محاولات تصفية قضية فلسطين، وتهويد القدس، ودعم صمود أهلها.

ومن ثم عقد البرلمان العربي جلسته الأخيرة في العاصمة الأردنية، بهدف التأكيد على رفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لخروجه عن قرارات الشرعية الدولية، وأيضاً لإدانة قراري الكونجرس الأمريكي بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، والكنيست «الإسرائيلي» بسن قانون للحجز على أموال السلطة الفلسطينية، للضغط عليها لوقف رعاية عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، ورفض التطبيع. وخلال انعقاد القمة العربية- الأوروبية الأولى التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية مؤخراً، جرى التأكيد على أهمية القضية الفلسطينية عن طريق التمسك بحل الدولتين، وفقاً لكل قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك وضع القدس وعدم شرعية المستوطنات «الإسرائيلية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً للقانون الدولي.

ويوم السبت الماضي، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، في كلمته خلال ترؤسه أعمال الدورة السادسة والأربعين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، في أبوظبي، «يأتي انعقاد هذه الدورة في وقت يشهد فيه العالم عدداً من التحولات الإقليمية والدولية»، مؤكداً أن «القضية الفلسطينية وقضية القدس الشريف هي التي من أجلها أنشئت منظمة التعاون الإسلامي، ونؤكد الدعم والمساندة والوقوف بجانب الشعب الفلسطيني ودعم مطالبه المحقة وفي مقدمتها بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية».

ولا شك في أن الجهد الرسمي العربي لنصرة القضية الفلسطينية سوف يكلل بالنجاح في نهاية المطاف، وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول العربية الكبرى؛ كي تقبل بالأمر الواقع في فلسطين، إلا أن إرادة التحدي لتلك الدول تبقى أقوى، ولذلك فإنه من الصعب، بل من المستحيل أن تنجح تلك الضغوط في إلغاء حقيقة الصراع بين العرب و»إسرائيل» الذي هو، في أساسه، صراع وجود، لا صراع حدود. فاحتلال فلسطين جاء وفق مخطط لبناء «إسرائيل» الكبرى من النيل إلى الفرات، وهم يرفضون حتى اليوم تعيين حدود واضحة لدولتهم، كما يرفضون إيقاف بناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية المحتلة، ويجاهرون برفض العودة إلى حدود عام 1967.

ويأتي موقف القادة العرب تجسيداً لمواقف شعوبهم الرافضة لإقامة أية علاقات مع هذا الكيان الغاصب، الذي يسعى دائما ًفي كل مفاوضاته إلى الحصول على أكبر المكاسب من دون الوفاء بأية التزامات قطعها على نفسه، مستغلًا الأزمات التي تمر بها الأمة في العقدين الأخيرين، متكئًا، في الوقت نفسه، على دعم أمريكي غير محدود، سواء على المستوى الرسمي من خلال تعطيل القرارات الدولية التي تصدر عن المؤسسات الدولية، أو الدعم المادي والتقني واللوجستي. ؛

نقلا عن صحيفة "الخليج"