نبيل عمرو - النجاح الإخباري - لسوء حظ صديقي الدكتور محمد اشتية انه كُلّف برئاسة الحكومة في ظرف هو الأكثر صعوبة وتعقيدا بالنسبة للفلسطينيين، ولحسن حظنا ان التكليف اعفانا من متابعة مهزلة الترشيح التي عجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وفرضت نفسها كمادة حوار لا يتوقف في المنتديات والصالونات والتجمعات.
ولو استمر عدم التكليف شهراً آخر لكان المرشحون بالالاف لرئاسة الحكومة وبعشرات الالاف لشغل الوزارات.
ومع أنّ في الامر بعض تسلية في الشأن العام، إلا أن ما سبق من ترشيحات كانت بمعظمها هزلية وتعكس سلبية قطاع كبير من المواطنين تجاه السلطة وحكوماتها.
كنت من الذين توقعوا إمّا ان يستمر الحمدلله في موقعه او يستبدل بالدكتور محمد اشتية تحديدا، فالرجل المكلف هو صاحب تجرية في مجال التنمية والمشاريع، وهو كذلك يمتلك مؤهلات لغوية واكاديمية تجعله من الأفضل بين زملاءه.
غير أن نجاحه ليس مضمونا، ليس بفعل قلة الكفاءة فالرجل كما قلت كفؤ، ولكن بفعل أمور خارجة عن نطاق الكفاءة الشخصية، وتتشكل بفعل تضافر داخلي واقليمي وعالمي شكّل حصارا موضوعيا للظاهرة الفلسطينية، الداخلي منه تكفل به الانقسام الذي اهدر الجزء الأكبر من طاقات الشعب الفلسطيني في صراع داخلي، ووفر الكثير من الجهد على من نسميه العدو الرئيسي، اما الإقليمي فيتجسد في ضعف دعم الأصدقاء وقوة تخلي من كانوا رعاة التجربة وداعميها، وكذلك تحول الولايات المتحدة واندماجها بالموقف الإسرائيلي في ممارسة ضغط غير مسبوق على الفلسطينيين الضعفاء حتى من دون هذا الضغط.
ولا شك ان الدكتور محمد اشتية يعرف اكثر منا جميعا، أن المأزق المركب الذي انزلق اليه الفلسطينيون وعدم النجاح في تجاوزه لم يكن مسؤولية شخص سبق، والخروج منه لن يكون بمعجزة يأتي بها شخص لحق.
غير ان المحاولة امر لابد منه، واذا كان الدكتور اشتية قد هييء نفسه مبكرا لموقع كهذا وتبوأ في العهدين العرفاتي والعباسي  ما يصعب احصاءه من المواقع فانني استنتج بان الرجل سيفعل كل ما باستطاعته ليكون مختلفا ، ومني اليه هذه النصائح 
النصيحة الاولى.. ان يبتعد كليا عن الشعارات التي تقال عادة من اجل التغطية على العجز وتبريره وتفسير الفشل في تجاوزه، والشعار الأكثر رواجا في هذا الاتجاه هو ان كل خطيئة نفعلها تنسب الى الثوابت وكل فشل نتردى اليه هو ثمن للتمسك بالثوابت، لقد فقدت هذه الكلمة مفعولها فليتجنبها قدر الإمكان رئيس الوزراء.
النصيحة الثانية .... ليتفرغ بنسبة مائة بالمائة لمعالجة التدهور الاقتصادي المروع الذي وقعت فيه البلاد وتضرر منه كل العباد، وليدرك مغزى انه تسلم المسؤولية في ذات اليوم الذي قررت فيه السلطة خصم نصف الراتب، وهو يعرف ان جزءً مما تبقى منه سيذهب لسداد القروض. ويعرف الدكتور اشتية اكثر منا جميعا اثر الراتب على حياة الناس ، فلدينا في القطاع الخاص والعام ما يزيد عن ربع مليون راتب شهري. 
النصيحة الثالثة.. ان يقتصد في الظهور على وسائل الإعلام التي فقدت قدرتها على التأثير في الناس لفرط ما صبت على رؤوسهم من وعود لا تتحقق، ولفرط ما أغرقوا من شعارات وبقدر ما حولت باللغة وحدها الانتكاسات الى انتصارات.

أتقدم بهذه النصيحة تحديدا لأن المواطنين الذين يتلقون الالاف الساعات الاذاعية والتلفزيونية المنطلقة من كل دول العالم، يقيسون الإنجاز ليس بقوة المنطق اللفظي وانما بما يلمسون من تحسن في حياتهم واهتماماتهم.
ما ينتظر منك كثير وكبير بحجم المأزق الذي نعيش، واذا كنا الان نواجه ما نواجه من أزمات بفعل انشغال الأصدقاء عنا وتركيز الأعداء علينا، فما كان سهلا في سنوات التجربة الأولى سيكون اصعب بكثير حين يكشر ترمب عن انيابه ويأتي الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية من يرى وظيفته الأساسية الحاق الأذى بالفلسطينيين.
كان الله في عونك.