نابلس - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - لم يعد الأمر مدعاة للتكهنات عما أطلقت عليه الإدارة الأميركية منذ عامين "صفقة القرن"، فالإدارة منذ فترة تتعمد سياسة التسريب بالقطارة إلى أن أعلنها صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنير في مقابلة مع قناة سكاي نيوز عربية بشكل أكثر وضوحًا هذه المرة.

 وكان قد اجتمع في ديسمبر الماضي مع كبريات وسائل الإعلام تمهيداً لما هو قادم، وأيضاً قام بجولة أوروبية وخليجية ترويجًا للصفقة التي أعدتها إدارته وأعلن أنّها ستطرح بعد الانتخابات الإسرائيلية.

الحقيقة أنَّ إصرار الإدارة الأميركية على طرح المبادرة فيها قدر كبير من المغامرة التي لا يحتملها الرئيس الأميركي الذي يطمح لولاية رئاسية ثانية، والحقيقة أنَّه في الأسابيع والأشهر الأخيرة أصبح لدينا شعور بأنَّ هذه الإدارة ستتراجع لعدم قدرتها على احتمال فشلها ليس بسبب عدم قدرتها بل لأنَّ الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وهما أطراف الصراع لا يريدان ولا يحتملان طرحها.

فالطرف الفلسطيني لن يقبل بأقل من دولة الإجماع الوطني على حدود عام (1967) وعاصمتها القدس، وهذا تمَّ نسفه وخصوصًا العاصمة قبل أن تتقدَّم الإدارة بخطتها، وبالتالي سيرفض الفلسطينيون ويتمنون ألا تتقدّم هذه الإدارة بأي شيء يرغمهم على رفضه وكذلك إسرائيل التي تنزاح نحو اليمين، وترسم بهدوء خططها وتنفّذ بعيداً عن تدخل أيّة أطراف أخرى، وترفض هذا التدخل وتعطي لنفسها حق فرض الوقائع التي تريد دون ضغط، ومفاوضات، وترسيم حدود كما يقول كوشنير .

إذن نحن أمام طرفين رافضين لما سيطرح ويتمنى كلّ منهم عدم طرح أيّ شيء وبقاء الأمر كما هو عليه، فهل ستغامر الإدارة الأميركية بالحصول على فشل كبير؟ وهل هذا ما ينتظره الرئيس الأميركي الجامح؟

وإذا ما أضفنا البعد العربي الذي كان مندفعًا في بداياته للعمل لأسباب عديدة ولكنَّه مع تماسك الموقف الفلسطيني الرافض وللحقيقة كما قال كوشنير، فقد عرضت الخطّة سرًّا على كلّ الأطراف الفلسطينية ورفضتها وعاد الموقف العربي لتوازنه، وهذا ما عبَّرت عنه تصريحات أكثر من رئيس عربي، وآخرها ما جاء في القمة التي عقدت في شرم الشيخ وما جاء على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكذلك الملك سلمان يدعو للاطمئنان من الموقف العربي إلى جانب الفلسطينيين.

لكن الإدارة الأميركية التي أعلنت منذ وقت قصير فقط أنَّه لا يعرف عن صفقة القرن سوى أربعة أو خمسة أشخاص، لماذا تعلن الآن على الملأ على لسان كوشنير وتفاصيل عن الخطة والبنود التي تحتويها؟ أليس في ذلك ما يتعارض مع السرية التي اعتمدتها الولايات المتحدة؟ واضح أنَّ تصريح كوشنير ومزامنته ليست مصادفة. وأغلب الظنّ أنَّ الولايات المتحدة تدرس الخارطة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية جيّدًا، ووأضح أنَّها تعتقد أنَّ الطرف الفلسطيني ليس ذي شأن وأضعف من أن يعرقل خطة، وأنَّها تستطيع بما تملكه من أدوات ارغامه على تنفيذ أي شيء أو حتى فرض أي شيء فقد اتّخذت تسعة قرارات خانقة ضد الفلسطينيين زادت من أزمتهم، وتعتقد أنَّه بمساعدة بعض الأطراف العربية بإمكانها ثني الفلسطينيين عن مواقفهم وتطبيق ما تريد ولو بالقوة.

لكن الإدارة الأميركية والمنسجمة حتى مع إسرائيل لابد أنَّ هناك مفاوضات ما في الخطة، فهي تعرف أنَّ أيَّ اتفاق أو خطة تسوية لابد وأن تتطلب تنازلات حتى من حليفتها إسرائيل ولو كانت هامشية وتعرف أنَّ إسرائيل الحالية وحكومة برئاسة نتنياهو وشراكة نفتالي بينيت الذي أعلن أنَّ ما تحضر له الإدارة الأميركية هو خطر على إسرائيل وبالتالي يبدو أنَّ البيت الأبيض بدأ بتهيئة اسرائيل لذا قام كوشنير بالمقابلة الآن على أبواب الانتخابات الإسرائيلية.

هناك اعتقاد بقدرة الإدارة الأميركية على إحداث تغيير بالنظام السياسي في إسرائيل، وأميركا ليست دولة سهلة وأحياناً هناك شعور أنَّ أحد أو جهة ما تحدث تغيرات من خلف الستار أو أصابع خفية تحرك في إسرائيل، مقتل رابين، وغياب شارون، واعتقال أولمرت، وإحداث الفراغ السياسي وذهاب إسرائيل لانتخابات وتشكيل حزب "غانتس لابيد "وغياب الأميركي الأب الروحي لنتنياهو عن الساحة الملياردير صديق الرئيس الأميركي شلدون أدلسون، وتحضير ملف نتنياهو قبل الانتخابات، وإصرار المستشار القضائي على إعداد لائحة الاتهام قبل الانتخابات.

لن تمرَّ أيَّة خطة أميركية أمام تحالف نتنياهو الذي بات حزبه حزب مستوطنين وتحالف مع من يشكل امتداد كهانا أحد أركانه وهو ما انتقدته منظمة آيباك التي دعت غانتس لإلقاء كلمة وكذلك تحالف يضم نفتالي بينيت.

تحالف نتنياهو اليميني قوي وهو تحالف الغالبية ولكن ماذا لو قفر موشيه كحلون الذي بدأ بالتلميح بأنَّه يمكن أن يكون مع غانتس بالإشارة لاتفاقه مع نقيب الأطباء الإسرائيليين كشرط يمكن أن يحتمله غانتس.

فهل قرَّرت الإدارة الأميركية إنهاء الحياة السياسية لنتنياهو وتشكيل نظام سياسي جديد في اسرائيل؟

ربما ..ولكنَّ الكمين الأخطر هو أنَّ أي نظام سياسي في إسرائيل ممكن أن يكون أكثر مرونة من نتنياهو، بينيت قد يعطي مرونة ما تاركًا الرفض للفلسطينيين وحينها ماذا يمكن أن يحدث؟ هنا المحطة الأكثر خطورة!!