غزة - مارلين أبو عون - النجاح الإخباري - لم تتوقع إسلام أن يجمعها القدر بيوسف الذي سمعت الكثير عنه، وعن رزانته وطيبته، وقدرته على التخفيف من الأعباء النفسية للكبار والصغار، إذ يلجأ له الأهالي والمؤسسات كمرشد تربوي قادر على التعاطي مع أصحاب الضغوطات النفسية والعصبية.

روت إسلام لـ"النجاح الإخباي" حول ارتباطها بهذا الزوج، قالت: "من أوَّل يوم صدمت به، فأثناء انشغال الناس والأهل بالصالة يوم فرحي، ناديت المصورة وأعطيتها توجيهات بخصوص الصور، وأخبرتها أن يكون تركيز عليّ أنا والعريس، لكن المفاجأة التي لم أكن أتوقعها، أنَّه شتمني أمام المصورة، واعتذر منها، وقال لي أنت لا تفهمين شيئاً، لماذا تتدخلين في أمور لا تخصك، سأحاسبك على ذلك عندما نعود للمنزل".

وتتابع إسلام: "كم مرَّت الدقائق طويلة علي ، فلم أصدق أنَّه شتمني أمام المصورة، وأنا لم أخطئ في حقها، وعندما عدنا للمنزل بدأ يكمل ما نهاه في الصالة، إن كررتي هذا الموقف مرَّة ثانية سأضربك وأحرمك من الخروج، ومن اليوم الأوَّل صدمتي لا توصف فلم لم أعد تلك الفتاة المنبهرة بشخصية يوسف كبقية المخدوعين فيه".

وأشارت إسلام إلى أنَّه مرَّ على زواجها (5) سنوات لم تر يوماً جميلاً معه، فجلّ أيامها مشبعة بالضرب والإهانات، والتهديد بالقتل في حال تحدّثت للأهل ما جعلها تعاني من الخوف، مضطرّة لكتمان ما يفعله معها، ليس حبّاً فيه بل  خوفًا على مصير طفل لا ذنب له بزواج خاطئ".

وأوضحت أنَّ زوجها يعمل في عدَّة مؤسسات مجتمعية، يقدم الدعم النفسي للكبار والصغار ويرفّه عنهم،لكنّه حال عودته للمنزل يصبح شخصًا آخر، حتى باتت تشكّ أنَّه يعاني انفصامًا في الشخصيّة.

وعن الموقف الذي قسم ظهر البعير صرّحت: "في يوم كنت مشغولة بعملي في المطبخ، حدث حريق في كيبل الكهرباء المؤدي لغرفة النوم، وسرعان ما احترقت الغرفة، فصرخت واستنجدت بالجيران لإنقاذنا وانقاذ البيت، وفعلًا هبَّ الجميع لنجدتنا، وحاولوا إخماد الحريق، وفي تلك الأثناء اتصلت بزوجي مرارًا وكان يغلق الهاتف بوجهي، وبعد إلحاح وتكرار أجابني بالصراخ والنعت بأبشع الصفات، متذرّعًا بأنّني أزعجته وهو مشغول في دورة ترفيهية لعدة عائلات، ولم يعطني حتى فرصة لأخبره بما حصل أو عن سبب اتصالي المتكرّر، لم تهمّني شتائمه بل بادرت بإخباره أنَّ البيت يحترق، لم يكترث ولم يسمعني، وبعد عدَّة ساعات عاد للمنزل، وما إن دخل حتى بدأ في الضرب، ولم أدرِ لماذا، اعتقدت في البداية أنَّه يضربني لأنَّني اتصلت عليه مراراً وهو في العمل، ولكنَّه صدمني بتهمة الإهمال وأنَّ الحريق بسببي، كان يضربني وابني يصرخ خوفًا، دون تفكير وجدتني أركض صوب الشارع واحتمي بالجيران، وبعدها توجهّت لبيت أهلي، مرّ أكثر من عام ولم يسأل عني ولا عن ابنه".

https://nn.ps/media/uploads/2019/02/23/5529116-1887294613.jpg

وفي قصة أخرى لفتاة تعيش مرارة الصدمة، لم تكن مريم أحسن حظاً من إسلام، فهي التي تخرّجت من الجامعة بمعدل امتياز من كلية التربية، وكان معدلها يؤهّلها لأيِّ وظيفة، لكنَّها فضلت الارتباط بابن الجيران، الذي يعمل محاميًّا، بعد قصة حب، تقدم لها في يوم وكانت مثل العصفور الحالم ، مريم .غ ، تخرَّجت من الجامعة بمعدل ممتاز، وتقدَّم لخطبتها رجل تحلم به كلّ الفتيات.

ولكن حلمها تبدَّد من الشهر الأول بعد الزواج، تقول لـ"النجاح الإخباري": "كان في الأيام الأولى للزواج طبيعيًّا، ولكن ما إن عاد للعمل في مهنته "المحاماة" حتى تغيَّر كثيراً، فكان كلما يكسب قضية يعود للمنزل مسروراً ويسعدني ، لكنَّه إن خسرها ،لا يكلّ ولا يمل من تكسير محتويات المنزل وإهانتي وضربي أيضًا، وكم كنت أخاف كلما سمعت أنَّه خسر القضية، وأهيئ نفسي وجسدي لإهاناته وضربه.

وتتابع :"في يوم كنت أراجع مع ابنتي دروسها، وعاد وهو سيئ المزاج، فحينما سألته عن سبب انزعاجه، رمى علي شنطته التي بيده، فوقعت الشنطة على رأس ابنته الصغيرة، التي أصبحت تصرخ هي الأخرى، وحينما رآها كذلك جنَّ جنونه أكثر، وضربني حتى لم أفق على نفسي إلا وأنا على سرير المشفى، بكسر في يدي ورضوض في أنحاء جسدي كافة، وأهلي بجواري غاضبين، ويهددون ويتوعدون لضربه مثلما ضربني".

يُشار إلى أنَّ مريم بقيت قضيتها في محكمة الأسرة سنوات لطلب الطلاق من زوجها المحامي، وتطلَّقت منه مؤخَّراً، وقد تركت في داخلها هذه التجربة جرحاً كبيراً لا يندمل، وتبكي حظها.

أسباب التناقض في مثل هذا القضايا

الأخصائية النفسية جميلة أحمد، قالت لـ "النجاح الإخباري" :"فاقد الشيء لا يعطيه وكثيرة هي القصص التي نسمعها في هذا السياق، حتى إنَّ إحدى المتزوجات التي جاءت عندي، زوجها يعمل ضابطًا وهو معروف في المجتمع، والصراخ والإهانة والأوامر التي يطبقها في مركز الشرطة، يطبقها على زوجته وأولاده، فقلب حياتهم إلى جحيم.

وقد أرجعت أحمد السبب في ذلك لأسباب منها أنَّ البيئة تؤثّر كثيرًا على بعض الأشخاص، وينسون أنفسهم، فيطبّقون ما يشاهدونه  ويواجهونه على بيوتهم.

والسبب الثاني يمكن أن يكون نفسيًّا، فربما يكون أحدهم تعرَّض لتعنيف في صغره، جعله مهزوزًا من الداخل، يخفى على الناس لكنّه يظهر على حقيقته في البيت.

الاسلام :"لا تضربوا إماء الله"

قديمًا كانت المرأة مستباحة وتتعرض للعنف حتى جاء الإسلام فأنصفها وكرّمها ورفع قدرها ومنزلتها، وأعطاها حقوقها على أكمل وجه.

الداعية عماد الجاروشة نفى لـ "النجاح" أنَّ الإسلام عندما وضع القوامة بيد الرجال إعطاه حق إهانتها أو ظلمها، وإنّما جعل له ذلك ليذود عنها، ويحيطها بقوته، وينفق عليها، وليس له أن يتجاوز ذلك إلى القهر والجحود.

ويقول: من أبرز ما جاء به الإسلام من تعاليم وآداب لتحقيق الاستقرار في الحياة الزوجية حسن الخلق مع الزوجة، أي حسن العشرة، وتحمل الأذى في حدوده المعقولة، وقد قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وحق المرأة مقدَّم على الواجب عليها بمعنى أنَّ الرجل يبدأ الطريق ويقدِّم المعروف، ويظهر حسن النيّة والسلوك، ثمَّ بعد ذلك يطالبها بالواجب عليها، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).

وأشار الجاروشة إلى أنَّ الاسلام دعا لحماية المرأة من العنف النفسي فجعل من مظاهر تكريمها عدم خدش مشاعرها وأحاسيسها، وحفظ كرامتها، فقال صلَّ الله عليه وسلّم:" لا تضربوا إماء الله".

ورغم التطور والتقدم والانفتاح الحاص مؤخرًّا لا زال في غزة وغيرها قصص كثيرة، لنساء يتعرّضن للعنف والتعنيف من أزواج نسوا أنَّهم ظلموا أنفسهم وزوجاتهم وأولادهم كثيراً، ويمتهنون مهن ومناصب كبيرة، لكنَّهم لا يعترفون بأخطائهم ويصرون على العناد، ويستضعفون المرأة، والمحاكم الشرعية مليئة بمثل تلك القصص تنتظر البتّ في أمرها.