كتب حامد جاد - النجاح الإخباري -  

التهويل من أزمة السلطة المالية مبالغ فيه ولا يعتمد على حقائق

حال اتخاذها التدابير اللازمة..

اقتطاع اسرائيل مبلغ 500 مليون شيكل من أموال المقاصة لن يمس بالتزامات السلطة وقدرتها على الإنفاق

لم تفض الأزمات المالية التي لحقت بموازنة السلطة وقدرتها على الانفاق على مدار نحو خمسة وعشرين عاماً من عمرها إلى مرحلة تعجز فيها عن الاضطلاع بمسؤولياتها اتجاه مجمل الاحتياجات المطالبة بتلبيتها، وبالتالي فإن الأزمات المالية الأخيرة المتمثلة بداية بأزمة تراجع حجم التمويل الخارجي المقدم لدعم السلطة مروراً بأزمة قطع المساعدات الأمريكية وانتهاءً بقطع حكومة الاحتلال مبلغ 500 مليون شيكل من أموال المقاصة عن عام 2018 بذريعة إنها تعادل قيمة الرواتب التي دفعتها السلطة لأسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين في العام نفسه لن يكون تأثيرها أشد وطأة على السلطة بالمقارنة مع ما تعرضت له على سبيل المثال عام 2011 عندما أقدمت اسرائيل على تجميد أموال المقاصة كلياً واستطاعت السلطة في حينه التغلب على هذه الأزمة.

ولعل التهويل من أثر الأزمة المالية التي تمر بها السلطة والادعاء أن  خزينة السلطة تحتاج إلى 10 مليارات دولار لتخرج من غرفة الإنعاش وأن قطاع غزة يحتاج الى خمسة مليارات دولار لإعادة تأهيل بنى تحتية وتشغيل للمصانع والعمال وأن الضفة والقدس تحتاجان إلى مبلغ مشابه يأتي من باب المبالغة غير المعتمدة على أي حقائق تتعلق بالبيانات المالية للسلطة وذلك بدليل أن موازنة عام 2018 حددت قيمتها حسب سيناريوهين الأول خمسة مليارات دولار في حال بقاء الوضع الحالي في قطاع غزة على ما هو عليه " دون مصالحة وتمكين للحكومة " والسيناريو الثاني حدد قيمة الموازنة الموحدة 5.8 مليار دولار حال تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام بما يتضمن التمكين المالي الموحد الأمر الذي يعني أن تلبية احتياجات الاراضي الفلسطينية تقدر بما يتراوح بين 5 مليارات الى 5.8 مليار دولار في العام الواحد فكيف يدعى البعض أن  خزينة السلطة تحتاج الى 10 مليارات دولار ؟ .

وهنا تجدر الإشارة الى أن الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة ومؤسساتها ذات العلاقة "وزارة المالية" والتي للأسف لم يعتمد البعض على الاستعانة بها لدى محاولة استشرافهم لمعالم المرحلة الاقتصادية المقبلة تشير بحسب رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله  إلى أن موازنة العام الماضي خصصت للإنفاق على المحافظات الجنوبية وفق الوضع القائم فيها في ظل عدم التمكين الكامل والفاعل للحكومة مبلغ 1.2 مليار دولار بواقع 100 مليون دولار شهريا لتغطية الرواتب والأجور لنحو ستة وخمسين ألف موظف مدني وعسكري، وتغطية تكاليف إمدادات الكهرباء، وتحمل كافة تكاليف الخدمات الصحية، وفاتورة الوقود المتعلقة بالمستشفيات والمراكز الصحية، وتغطية تكاليف التحويلات الطبية لأبناء قطاع غزة والإعانات الاجتماعية ، واستيعاب حوالي عشرين ألف موظف من الذين تم تشغيلهم بعد الانقسام عام 2007، " علماً أن عدد الموظفين انخفض تدريجياً كما أن الانفاق على الكهرباء خضع لبضعة أشهر لتمويل جزئي خارجي " وبالتالي فإن تقدير احتياجات قطاع غزة بخمسة مليارات دولار بما في ذلك إعادة تأهيل البنى التحتية يعد تقديرات جزافية عارية عن الصحة سيما وأن المبالغ المالية التي وصلت فعلياً لإعمار غزة بلغت  38% من مجمل المبلغ المطلوب لإعادة الاعمار وذلك بحسب تقرير قدمه وزير الاشغال العامة والاسكان د. مفيد الحساينة إلى الحكومة الشهر الحالي "شباط " وأعلن عنه في مؤتمر صحفي عقد في الشهر ذاته.

وبطبيعة الحال ما ينسحب على قطاع غزة ينسحب أيضاً الى حد كبير على احتياجات الضفة والقدس التي جانبت فيها التقديرات الجزافية غير الدقيقة الصواب في تحديد هذه الاحتياجات اللازمة تلبيتها لإنعاش الوضع الاقتصادي فيها.

وحول القرار الاسرائيلي الأخير المتعلق بحسم مبلغ 500 مليون شيكل من أموال المقاصة طبيعة وانعكاسات هذا القرار على موازنة السلطة وقدرتها على الانفاق أوضح استاذ الاقتصاد في جامعة بير زيت د نصر عبد الكريم لـموقع "النجاح الإخباري"، أن هذا المبلغ يشكل ما نسبته 10% من إيرادات السلطة السنوية التي تقدر بنحو 10 مليارات شيكل وهو ليس بالمبلغ الكبير الذي سيجعل السلطة عاجزة عن دفع التزاماتها منوهاً في هذا السياق الى أنه لم يتضح بعد هل سيكون اقتطاع هذا المبلغ لمرة واحدة ام على دفعات مستمرة.

واعتبر عبد الكريم أن طبيعة التعامل مع القرار الاسرائيلي المذكور تعتمد على مسألتين الأولى كيف ستكون ردة الفعل الفلسطينية وهل ستفتح مواجهة وتمتنع السلطة عن استلام أموال المقاصة كاملة وهذا الامر مستبعد حدوثه لان القيادة الفلسطينية لابد وان تفكر بمنطق  مختلف عن الشارع وتدرك ان خياراتها محدودة وان الوضع الاقتصادي لا يسمح بمواجهة مع الإسرائيليين  وبالتالي فالمتوقع أن يتم التعامل مع الأمر بعقلانية في اتخاذ القرارات المناسبة كما سيكون هناك تحرك على المستوى الدبلوماسي وليس على مستوى اتخاذ قرارات بقطع العلاقة الاقتصادية او التنسيق الأمني.

وقال "أتوقع أن تكون مواجهة هذه الازمة عبر اتخاذ حلول فنية كزيادة ايرادات الجباية وتوسعة القاعدة الضريبية ومنع التهرب الضريبي واجراءات أخرى تتعلق بإلغاء النفقات غير الضرورية واتباع سياسة التقشف الحكومي في الانفاق وهذا لابد وان يظهر في موازنة   عام 2019 ".

وأضاف عبد الكريم متسائلاً "لماذا لا تحاول السلطة إيجاد آلية آمنة لتعويض النقص في السيولة وتسد العجر الطارئ في موازنتها على غرار ما قامت به وكالة الغوث "أونروا" عقب قطع المساعدات الامريكية عنها وذلك بالبحث عن بدائل وتفعيل لدور مقدمي المساعدات لها سواء من المجتمع الدولي أو عبر تفعيل شبكة الأمان المالية العربية التي من الممكن أن تسد هذا العجز البالغ قيمته 200 م دولار سنوياً وذلك لحين تسوية الامر مع الجانب الإسرائيلي سيما وان قرار إسرائيل يتعلق بتجميد هذا المبلغ وليس قطعه أو شطبه".