مصطفى السعيد - النجاح الإخباري - أربعة اجتماعات خلال أسبوع واحد تغير ملامح العالم، وتحدد مسارات جديدة لأزمات مزمنة، فقد استقبلت روسيا اثنين من هذه الاجتماعات الأربعة، الأول في موسكو وجمع 12 فصيلا فلسطينيا، والثاني في سوتشي وبحث مصير إدلب وشرق الفرات، بينما نظمت الولايات المتحدة اجتماعا في وارسو كان من المفترض أن يناقش وضع استراتيجية مواجهة إيران، إلا أن عددا من المدعوين رفض العنوان، واضطرت واشنطن إلى تعديله ليبحث سبل السلام في المنطقة، أما الاجتماع الرابع فقد شهدته أروقة الأمم المتحدة، عندما حاولت الولايات المتحدة استصدار قرار يمنحها حق إرسال مساعدات إنسانية.

لم يسفر اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو عن صدور بيان يحدد مطالب الفصائل الفلسطينية نظرا للتفاوت الكبير في توجهات تلك الفصائل، خاصة بين المتمسكين بحمل السلاح وإرغام إسرائيل على الانسحاب، والمراهنين على المفاوضات والمبادرات الجديدة التي قد تمنحهم عروضا أفضل، واتفقت الفصائل على نقطتين فقط، وهما استمرار جهود المصالحة ورفض صفقة القرن الأمريكية.

لكن اللافت في اجتماع موسكو هو أن روسيا بدأت الانخراط عمليا في القضية الفلسطينية، وأنها اختارت التوقيت المناسب حيث التراجع الأمريكي في المنطقة، كما اختارت بأن تبدأ خطواتها العملية بجمع الفصائل الفلسطينية، لأنها من سيكون لها القرار الفاصل في أي مبادرة للتسوية. لقد أرادت موسكو أن تقول إنها الطريق البديل للخطوات الأمريكية المتعثرة، وهو ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عندما وصف صفقة القرن الأمريكية بأنها مدمرة، لقد دخلت المنطقة رسميا عصر تعدد الأقطاب بإمساك روسيا بملف القضية الفلسطينية، والإشارة إلى أن لها حلفاء إقليميين، وأنها جديرة بالوساطة في القضية الفلسطينية وليست الولايات المتحدة المنحازة بشدة إلى إسرائيل.

في التوقيت نفسه كانت الولايات المتحدة قد جمعت ممثلين لنحو ستين دولة من بين سبعين دولة دعيت للاجتماع في العاصمة البولندية وارسو، لمناقشة جهود السلام في المنطقة، ويتطرق إلى إيران بوصفها العقبة الرئيسية ضد السلام الذي تنشده واشنطن، لكن أوروبا لم تكن متحمسة للانخراط في الاجتماع الأمريكي، وهو ما انعكس على التمثيل الضعيف والتصريحات غير المنسجمة مع التوجهات الأمريكية، إلا أن الأهم هو عدم الإعلان رسميا عن إطلاق صفقة القرن، رغم التأكيدات الأمريكية أنها ستكون بداية العام الحالي، ولن تجد مناسبة أفضل من اجتماع وارسو لإطلاق الصفقة، إلا أن الاجتماع انتهى دون إصدار بيان ختامي.

واجتماع سوتشي بحث خلاله الرئيس الروسي بوتين مع رئيسي تركيا وإيران الوضع في سوريا، ووضح من الاجتماع أن التوافق الروسي التركي الإيراني له الكلمة العليا في ترتيبات الوضع في سوريا بعد الانسحاب الأمريكي الوشيك من شرق الفرات، والذي أشار لأول مرة إلى ترتيبات سورية تركية مشتركة، في خطوة لافتة إلى الاستدارة التركية الأوسع باتجاه التحالف الروسي وليس الأمريكي، فالقوات الأمريكية تواصل حزم أمتعة جنودها، لتنهي مغامرة طويلة وشاقة ومكلفة، لم تحقق فيها الولايات المتحدة شيئا، بل تركت المزيد من الجراح والندوب.

اما الاجتماع الرابع فقد حاولت خلاله الولايات المتحدة كسب تأييد الدول الأعضاء في مجلس الأمن لمشروع قرار يمنحها حق إرسال مساعدات إنسانية إلى فنزويلا، وجوبهت برفض قوي من روسيا والصين، وحذرت موسكو من التدخل العسكري الأمريكي تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وعدم أحقيتها في إرسال مساعدات إلا عبر حكومة مادورو الشرعية، وتجاوز القوانين الدولية، واستباحة التدخل في شئونها لدرجة تغيير رئيس الدولة الشرعي، وهو ما يهدد باندلاع المزيد من الحروب، ولم تجد الولايات المتحدة دعما من حلفائها الأوروبيين، الذين اكتفوا بموقف وسطي بين روسيا والولايات المتحدة، وطالبوا بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة، مع التحذير من أي تدخل عسكري.

كشفت الاجتماعات الأربعة عن حجم الصراع الدولي واتساعه، وكيف أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على فرض إرادتها، وأنها في أضعف حالاتها منذ الحرب العالمية الثانية، ومرشحة للمزيد من التراجع في ظل أزماتها الداخلية والصراع بين الرئيس ترامب والكونجرس، واستمرار التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا، مع بروز دور روسيا والصين، وهو ما ينبيء بأن العالم متعدد الأقطاب قد أصبح حقيقة واقعة، لكن أقطابه ليست راضية بمواقعها، وأن عليها إما أن تدرك موازين القوى الجديدة وتسلم بها، وإما أن تدخل جولات جديدة من الصراعات سواء عبر الاقتصاد أو الحروب غير المباشرة.

...عن «الأهرام» المصرية