غزة - مارلين أبو عون - النجاح الإخباري - تمتلئ صفحات الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي بعبارات بعضها يحمل الجدية، والبعض الآخر السخرية، تعليقًا على استعداد الكثيرين لإحياء "يوم الحب" أو "عيد العشاق" كما يسميه البعض.

في الرابع عشر من فبراير تحتفل معظم بلاد العالم بهذا اليوم، فيبدأ المحبين من رجال ونساء بجمع الهدايا، التي يطغى عليها اللون الأحمر..

ولكن غزة بخصوصيتها ووضعها الاقتصادي والاجتماعي السيئ تحتفل على طريقتها الخاصة، والتي لا تشبهها أي بقعة في العالم، حتى مع غياب مظاهر الفرح، يصرُّ الغزي على فرضه، علَّه يلقى سويعات من الفرح تنسيه همه ومعاناته.

في هذا اليوم تنشط حركة المحال التجارية المتخصصة لبيع الهدايا والاكسسوارات والورود  على غرار الأعياد الرسميِّة، وتبقى باقي أيام السنة تشهد حالة من الركود نوعًا ما.

الشاب عمر بسيسو، صاحب أحد المحال التي تبيع الورود في غزَّة، يقول لـ"النجاح الإخباري": "تزدهر حركة البيع والشراء عندي في المحل في هذا اليوم، ويوم الأم، بالإضافة للمناسبات الشخصية، وما يميز هذا اليوم، أنَّ الناس بكافة أطيافهم أو أعمارهم يفضلون شراء الورد الأحمر، حتى الأطفال يأتون لشراء وردة واحدة أغلفها وأزينها لهم، ليقدموها لأمهاتهم  أو أصدقائهم".

ويؤكِّد بسيسو أنَّ عيد الحب ليس مقصوراً على العشاق، وإنَّما الكثير من الأهل يتهادون الورود ، ويعبرون عن محبتهم لبعضهم في مثل هذا اليوم".

"الحب تركناه للي باله خالي"

بائع آخر بدأ بإخراج "الدباديب" والهدايا والإكسسوارات التي يغلب عليها اللون الأحمر ،وزين واجهة المحل بها، مع إضاءة لافتة وبالونات جذابة، محمد سعيد يوضح لـ"النجاح"، أنَّه يزين محلَّه بهذا الشكل الجميل لأسباب عديدة، أولها إضفاء جو من الفرحة والبهجة في المناسبات، خاصة مع الأوضاع السلبية التي يمرُّ بها قطاع غزَّة، إضافة إلى جذب الزبائن، وتنشيط حركة البيع، في ظلِّ تراجع البيع نتيجة الأوضاع.

وعن إقبال الناس قياسًا بالسنوات السابقة يقول: "بصراحة الوضع اليوم ليس كالسابق المواطن  اليوم يفضل شراء الأكل والشرب، ويطعم أولاده، بعيدًا عن هذه الهدايا".

ومن الطرائف التي قالها، والمحزنة في نفس الوقت: "الحب صار مفقود في غزَّة، هي تبحث عن الحياة،الحب ليس لنا، ونحن نحاول أن نفرح، ولكن الغصة في كلِّ بيت غزيّ، خليا لحب للي باله خالي".

وعلى غرار محلات الورود والهدايا، استعدَّ أصحاب بيع الملابس الرجالية والستاتية قبل يوم واحد من يوم الحب، فزينوا محلاتهم وعرضوا ملابسهم بـ"مانيكانات" ترتدي ملابس حمراء خلف واجهتهم الزجاجية.

البائع ساهر الوادية يرتب الملابس بشكل ملفت وهو يتحدث مع النجاح: "نحاول أن نجذب أنظار الناس لشراء البضائع، عن طريق اللون الأحمر والخامات الجيِّدة، ورغم ذلك لا نجد إقبالًا كبيرًا، نرى في أعين الكثير حبهم للشراء لكنَّهم لا يملكون النقود، وبهذا اليوم بالذات لا توجد رواتب للسلطة أو حتى الوكالة، والمواطنون لا يملكون شيئاً من رواتبهم، كان الله في عون الناس، ليدهم قلوب فيها حب لكن الفرحة بعيدة جداً عنهم وعن بيوتهم".

مواقع التواصل بين المؤيد والرافض

انقسمت تعليقات الشبّان على مواقع التواصل ما بين مرحِّب بالفكرة، وآخر مُحرِّمٌ لها، فيما اكتفى البعض بالضحك على اعتبار أنَّه موقف فكاهي عفوي من الشباب المعلقين.

وكتب أحد الشباب على صفحته الشخصية في فيس بوك، « بكرة راح نشوف غزَّة غرقانة بالدم الأحمر ..أقصد اللون، ما حدا يخاف ، ما في حرب..شيلو الراء  وبس، وعبارة أخرى  «.. يا عمي خلي الناس تعبر عن شعورها.. خليهم يلفلفوا ».

كما كانت هناك الكثير من العبارات التي ترفض الاحتفال بذلك اليوم، وتقول بأنَّه  تشبّه بالغرب وبدعة، وحرام.

وآخرون قالوا أيضًا إنَّ الحب لا يحتاج ليوم للتعبير عنه، ففي السنة (360) يوم، يستطيع الناس أن يتهادوا ويتحابوا بعيداً عن المغالاة، والفجور على حدِّ تعبيرهم.

وكتب آخر على صفحته « بلا حبّ بلا بطيخ، إحنا لاقيين ناكل مشان نحب ونشتري هدايا».

ومن العبارات التي لاقت استحسانًا لدى النشطاء تغريدة لأحدهم قال فيها :"في عيد الحب..أتمنى أن يحب المسؤولون أوطانهم".

المواطن واستعداده للحب

المواطن الأربعيني خميس الخالدي حينما سألناه عن آخر مرَّة قدَّم فيها هدية لزوجته، أجابنا ضاحكًا: "وشو المناسبة، أنا بعيشها أحلى عيشة وبحترمها ومش منقّص عليها شي، لشو الهدايا والاحتفالات؟!"

شاب آخر سألناه عمّا سيفعله في هذا اليوم، يقول لـ "النجاح": "اشتريت هدية جميلة لخطيبتي، وسأهديها لها، ونتغدى في أيّ مطعم".

إسلام موسى فتاة جامعيَّة تقول: "محضرة هدية حلوة لست الكل، الحب كلُّه بتمثل فيها، واتفقت مع أخوتي لنعمللها حفلة بسيطة، ونعبرلها إنَّه ما في أغلى منها عندنا".

موسى الصواف يبدي رأيه في هذا اليوم رغم عدم اقتناعه به حسب ما مؤكّدًا: "نحن نريد  حياة أخرى مغايرة لما نعيشها، فأجواء الحصار الخانقة أتعبتنا، والحرب والكذب السياسي، والوعود بالمصالحة التي لن تأتي أبداً دفعتنا للبحث عن مناسبات لنفرح بها".

ويضيف: "أنا سآخذ زوجتي وأولادي لنزهة بسيطة وسأقدم هدية لزوجتي الحبيبة، لأنَّها صبرت على وضعي وفقري، وهي كباقي السيدات تحتاج مني التقدير والحب، ورغم أنَّي لا أؤمن بيوم الحب، فالحب مكانه بأيام السنة جميعاً، ولكن صعب أن أطبق تلك المقولة والكثير منا يحتفل بها، وأعين زوجتي وأطفالي تطالعهم".

وتبقى أجواء الفرحة واللون الأحمر الذي يكسو واجهات المحّال التجارية، وعلى جوانب الطرقات، شاهداً على حب الناس للحياة، وتعكس تطلعاتهم لإنهاء الحصار، ولسان حالهم يقول " نستحق الحياة، ونسعى إليها ما استطعنا سبيلًا".