غزة - النجاح الإخباري - مع الساعة الثامنة صباحا من بداية كل أسبوع جديد وتحديدا يوم السبت، تخرج الحاجة "وحيدة أبوموسى" من زقاق منزلها إلى أحد المصانع الخاصة ببيع بالمكسرات، مستقلة عربة يجرها حصان من أجل الحصول على كيس شفاف كبير يحتوي على الفستق واللوز يزن حوالي25 كيل، فهي لا تقوم ببيعه أو حتى تقديمه لضيوفها بل تفعل عكس ذلك تماما.

بعد حصولها على كميات الفستق واللوز تفرغ الكيس بوضع ما فيه على طاولة خشبية مستديرة الشكل، من ثم تقوم بافتراش أرضية منزلها المتواضع بمخيم "الشابورة" بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، لتهم بيديها الخشنتين من أجل التقاط حبات الفستق الواحدة تلو الأخرى بهدف فركها لتصبح مقشرةً، فبعد التقشير تبدأ مرحلة قسم الحبات إلى عدة أقسام باستخدام ألة "المشرطة" .

كان زوج الخمسينية "وحيدة" يعمل داخل الخط الأخضر في أحد المصانع الخاصة بكيّ الملابس، ولكنه تعطل عن العمل وأصبح حاله كحال الكثيرين داخل قطاع غزة من الذين استمرأوا الذل والمهانة، وأصبح شبح البطالة يطاردهم، مع مرور السنوات اتجه زوجها للعمل بمهنة بيع "القرشلة .

بعد عمله بمهنة بيع "القرشلة " التي لم تدم طويلا تعطل زوجها وازداد وضع العائلة سوأ ، فما كان لدى "وحيدة" خيار سوى الاتجاه إلى العمل بمهنة ليست ككل المهن، فبداية رحلتها في تلك المهنة المتعبة والتي تحتاج إلى صبر، كان قبل ثلاث سنوات برفقة بناتها الثلاثة " رشا 31 "، "هديل 23" وأحلام 20 عاما " اللواتي كانوا يساعدونها في العمل، إلى حين تلك اللحظة كان العائد المادي بالنسبة للحاجة وبناتها يؤدي احتياجات المنزل والأمور تسير على ما يرام. مرت أشهر قليلة على عمل بناتها معها واللواتي مررن بظروف سعادة وحزن، حانت لحظة دخول رشا للقفص الزوجي، عندما تقدم لها صاحب النصيب وانتقلت للعيش معه بدولة مصر، أما أحلام والتي لم يكن لها من اسمها نصيب فكانت تحلم بأن تصبح مختصة بمجال التجميل بحسب ما قالت والدموع تذرف من عينيها .

حال أحلام كان مغايرا لحال شقيقتها رشا عندما حصل معها ما لم يكن بالحسبان، في شهر مارس / أذار من العام الماضي أصيبت العشرينية أحلام بمرض السرطان في قدمها اليسرى ، وبدأت معها رحلة معاناة عائلة أبو موسى بتوفير العلاج لابنتهم، لكن رغم مرض أحلام والتي كان صوت سعالها وكحتها مسيطرا على صوت والدتها أثناء سردها تفاصيل حياتها الشاقة وهي تقول:" استمرت أحلام بالعمل معي بمهنة تقشير الفستق من أجل توفير العلاج لنفسها وحتى لا تكون عبئا على أحد منا" .

منذ تلك الفترة تحولت مهنة الأم "وحيدة" بتقشير الفستق من مصدر رزق لها إلى مصدر لتوفير متطلبات علاج ابنتها بتكاليف تصل إلى ما يقارب الـ 200 شيكل أسبوعيا، قدمت الأم من أجل تحويلة طبية سريعة خارج قطاع غزة لكن الجانب الإسرائيلي رفضها أكثر من مرة، فمع تأخر التحويلة تتآكل قدم أحلام شيئا فشيئا بسبب ذلك المرض اللعين.

بعد إمضائها وابنتيها الاثنتين لخمسة أيام في تقشير الفستق، والتي كانت تمر عليهم ببطء، يأتي اليوم الموعود صباح يوم الخميس الذي انتظرنه طوال الأسبوع مع أخر حبة فستق تحتاج الى تقشير متجهة عبر العربة، لكن مع تغيير من يقودها لتذهب بما في جعبتها من فستق ولوز ، إلى الشركة التي جلبت منها الفستق قبل تقشيره والتي تقع في نفس المدينة "رفح".\

تعود وحيدة الى زقاق المنزل نفسه لكن هذه المرة بوجه ممزوج بالابتسامة لأنها حصلت على المال والحسرة على حالها ابنتها المريضة التي لم يستمع لمعانتها أحد سوى جدران منزلها، تحصل الحاجة بأفضل أوقاتها بالعمل على ما يقارب 32 شيكلا كإيجار لها مقابل الكيس الواحد عائدة لابنتيها برزق مكتوب .

اذ تعتبر مهنة تقشير الفستق واللوز من المهن الجديدة التي أفرزتها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يعاني منها قطاع غزة ويعتبر العمل بها أو بغيرها من المهن الشاقة، من أجل الهروب من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية لكثير من العوائل .

 

(الحياة الجديدة)