أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - لا يختلف المتابعون للسياسة ولا المشتغلون بها بأن المشروع الاسرائيلي في الضفة الغربية على النقيض منه في قطاع غزة والفارق السياسي بينهما يتلخص بالطلاق مع غزة والعناق مع الضفة ويصبح ذلك أكثر وضوحاً في الضفة الغربية وأكثر عمقاً بالمعنى السياسي مع الانزياح الحاصل في المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين والذي يعبر عن نفسه بالقوى والأحزاب اليمينية التي تصعد للحكم وتسيطر عليه انتخابيا واذا كان اليسار يعتبر الضفة الغربية ذات عمق أمني بالمعنى الاستراتيجي يضاف عليها البعد الأيدلوجي لليمين الذي أصبح يحكم اسرائيل اذ يعتبرون أن الضفة الغربية هي موطن أحداث التوراة.

كتبنا كثيراً عن غزة وفصل غزة والفعل الاسرائيلي المنظم الذي أنتجته مراكز دراساتها وبالمقابل فان المشروع في الضفة قائم على ابتلاعها وتحجيم الوجود الفلسطيني فيها على المستويين الشعبي والسياسي وقبل فترة تحدث أحد الكتاب الاسرائيليين عن ضرورة اتفاق مع دول العالم لهجرة الفلسطينيين من الضفة وبعده تحدث الكاتب شالوم يروشالمي عن هجرة شباب غزة واذا كانت اسرائيل ترى في هجرة الغزيين حل لمشكلة انسانية أمنية فان الهجرة من الضفة هي حل لمشكلة ديمغرافية سياسية بالدرجة الأولى تحافظ على تفوق اليهود في المنطقة التي تقع تحت الحكم الاسرائيلي.

وإذا كان الأمر كذلك وهو شديد الوضوح بأن اسرائيل ترغب بالسيطرة واعلان السيادة على الضفة الغربية فان ذلك يتطلب احداث تغيير في البنى الاجتماعية والسياسية التي نشأت منذ تشكيل النظام السياسي الفلسطيني أو بمعنى أدق يتطلب هذا تجفيف السلطة من الضفة الغربية وإذا ما ربطنا المشروع الاسرائيلي في طرفي الوطن يصبح من الضروري اخلاء السلطة من الضفة ونقلها الى غزة.

حادث الأيام الماضية بالاشتباك بين وزير الحكم المحلي الذي أساء لمنظمي الاحتجاج ضد قانون الضمان الاجتماعي لم تكن تداعياته طبيعية، فاللغة التي تحدث فيها الوزير هي لغة يومية بين الفلسطينيين الذين أصبحوا يشمتوا بعضهم ويخونون ويتهمون بلا حساب ولكن التداعيات كانت تلقي بأسئلة قد تدعو للقلق أحياناً ارتباطاً بفاعل اسرائيلي لديه الرغبة المعلنة بالسيطرة على الضفة الغربية.

أحد المشاهد المدعاة للقلق وهو معالجة الأمر بشكل يأخذ طابعاً عشائرياً كان يفترض أن المجتمع الفلسطيني قد أعاد هندسة نفسه في العقود الأخيرة بشكل مختلف، فهناك قوى سياسية يفترض أنها هي من تتحمل المسئولية أولاً وأخيراً وقد لوحظ غياب هذه القوى لصالح قوى اجتماعية عشائرية بدا للحظة كأنها تأخذ هذا الدور وتعيد المجتمع الى ما قبل الأحزاب وما قبل تشكل السياسة وما قبل نشوء السلطة وحين كان المجتمع يحل مشاكله أثناء الاحتلال بعيداً عن القانون القائم تجنباً للجوء لمحاكم المحتل.

الأمر يصبح مدعاة للقلق أن المشروع الاسرائيلي يقوم على توسيع جهاز الادارة المرئية في الضفة ويتغلغل أكثر في المجتمع الفلسطيني كبديل عن الجهاز الاداري للسلطة التي تم تشكيله واذا ما ربطنا ذلك بما قاله أمس رئيس الكنيست يولي أدلشتاين "بأن مهمة الكنيست القادمة هي فرض السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية،"  يصبح كل شيء في الضفة مدعاة للتوجس وللتفكير ألف مرة واذا كان قانون الضمان الاجتماعي والتظاهرات التي تلته حالة نشاط مجتمعي في محتمع صحي وهذا طبيعي واذا كان التراشق بين الحكومة والمواطنين شيء طبيعي فان ما هو غير طبيعي أن تحدث مشكلة يكون حلها من خلال البعد العشائري في ما يشبه الغياب التام للسياسة والقوى السياسية والسلطة والقوانين المتعارف عليها.

واذا ما تكرس النظام العشائري فهو بالقطع سيكون على حساب البنى السياسية التي تعبر عن الوجود السياسي للفلسطينيين فيما أن البنى العشائرية تعبر عن المجتمع بعيداً عن السياسة وفي هذا ما يفترض أن ينتبه له المشتغلون في السياسة من حكومة وسلطة وأحزاب ومعارضة حتى لأن تكريس نظام القبيلة سيكون على حساب الجميع..!!