برهوم جرايسي - النجاح الإخباري - في متابعة شأن الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل، هناك جوانب شبه دائمة، ولكن جيد مواكبتها وطرحها من جديد، لمعرفة التطورات بعمق أكثر؛ مثل موضوع التصنيفات الصهيونية لأحزابها، بين “يمين ويسار”، و”معتدل ومتطرف”، وما إلى ذلك. فالانتخابات البرلمانية هي “الموسم الأكبر”، للحديث عن هذا الجانب. 
وما يتأكد يوميا، هو أن “اليسار الصهيوني”، نكتة ثقيلة على الأذن، رغم القوى الاستثنائية المحدودة في الساحة الإسرائيلية، ذات التوجهات السلامية، والمجموعة الأصغر عدديا بكثير، المناهضين للصهيونية، ويتميزون بجرأة في مجاهرتها بمواقفها. أما عدا هذا، فإن الفوارق هوامش، وهذا ما أثبتته الولاية البرلمانية المنتهية للكنيست.


وبرز هذا أكثر من خلال متابعة مشاريع القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، التي برز فيها التقارب إلى درجة التطابق في الجوهر بين الائتلاف والمعارضة؛ باستثناء كتلة “ميرتس”، التي كان أداؤها، في الولاية المنتهية، وأيضا في ما سبق، قريب جدا إلى درجة التطابق، مع كتلة “القائمة المشتركة”، التي تمثل قوى فلسطينيي 48. ولكن “ميرتس” تضم 5 نواب من أصل 120 نائبا. 
وكما ذكر من قبل، فإن كل القوائم المركزية التي في مرحلة التبلور، هي كلها في اليمين الإسرائيلي، وهذا يظهر من الشخصيات التي تقودها، إن كانوا أعضاء كنيست ووزراء حاليين، أو جددا، على شاكلة رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق بيني غانتس. والمنافسة بين كل هذه القوائم تدور في ملاعب اليمين، ولا أي منها تطرح حلا سياسيا للقضية الفلسطينية، وأصلا هذا ملف سيكون على الأغلب، غائبا شبه كلي، في الحملة المقبلة.


في هذه الأيام، يجري إعادة الاصطفاف الانتخابي بين الأحزاب التي مصدر قوتها السياسية والانتخابية في المستوطنات، وبالذات لدى العصابات المتطرفة الإرهابية. وتشير التوقعات، إلى أن “هئيحود هليئومي” الحزب الثاني في تحالف “البيت اليهودي” الذي تفكك أخيرا، سيتحالف مع الحزب المنبثق عن حركة “كاخ” الإرهابية، المحظورة في الكثير من دول العالم. وهذا تحالف من شأنه أن يجرف عددا من المقاعد. 


وفاز قبل أيام قليلة، برئاسة “هئيحود هليئومي”، النائب العنصري ، بتسلئيل سموتريتش، وهو من أبرز قادة المستوطنين، ويستوطن في بؤرة استيطانية، وكان قد أقام في السنوات الأخيرة، عصابة “ريغافيم”، التي تهدف لوضع مخططات لاقتلاع بلدات فلسطينية في فلسطين التاريخية. ووضع مخططات لمصادرة ما تبقى من أراضي بملكية الفلسطينيين، وهو المبادر الأخطر لسلسلة كبيرة من القوانين العنصرية. وقد اختار حزبه، مرشحة مضمونة في قائمة الحزب، من مستوطني مدينة الخليل. 
هذا التطرف الاستيطاني المنفلت، يُسمى في القاموس الإسرائيلي “يمين متطرف”. وتجد من الصهاينة من يطلق عليهم تسميات أشد، في محاولة بائسة للظهور وكأن هؤلاء ليسوا من صلب الصهيونية. ولكنهم في الواقع، هم وليدتها الطبيعية. فالأجندات المتطرفة التي يلوحون بها، هي نموذج القرن الـ 21 لانتهاكات الحركة الصهيونية في فلسطين في القرن العشرين، قبل النكبة وخلالها وبعدها.

فهؤلاء لا يأتون بجديد.
وهؤلاء أيضا هم استمرار بديهي، لأسس نظام الحكم الذي وضعه الحزب الذي يتم تسميته بـ “اليسار الصهيوني”، حزب “العمل” حاليا، و”مباي” في البدايات، فهذا حزب تشكل من عصابات البلماح والهاغانا، وهو واضع كل سياسات الاقتلاع ومصادرات الأراضي، وكل سياسات التمييز العنصري، وهو الذي قاد كل الحروب التوسعية الاستيطانية. 
وكل وابل القوانين العنصرية التي أقرها الكنيست في الولاية المنتهية، هي استمرار طبيعي لما يتضمنه كتاب القوانين الإسرائيلي، الذي هو “مرشد ناجح” لكل نظام عنصري في العالم. ولو كانت الأنظمة العنصرية في أوروبا وجنوب أفريقيا ما تزال قائمة، لنسخت الكثير من القوانين الإسرائيلية الحالية.


وأكثر من هذا، فإذا كان أحد الإرهابيين، قد اغتال رئيس الحكومة يتسحاق رابين، لأنه خاض مسار مفاوضات واتفاقيات سلام، فإن من أولدت هذا الإرهابي يغئال عمير، هي سياسات ونهج رابين وأمثاله، على مر السنين.
كل “القلق” الذي نشهده في إسرائيل من التطرف الحاصل، هو مسرحية تافهة سخيفة، فما هذا سوى حلقة أخرى، في استفحال العنصرية الصهيونية.

عن "الغد" الأردنية