فهمي شراب - النجاح الإخباري - تقوم الثورات بشكل عام عادة على عدة مطالب عادلة منها، حقوقية وسياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية ومعنوية، ومواضيع تتعلق بالكرامة والحريات وطلب مساحات أكبر من الديمقراطية وحقوق الانسان، فعامل الاقتصاد ليس الوحيد ضمن منظومة المطالب والاحتياجات ولكن قد يضعه الكثير كأهم بند أو عامل رئيس. فبرغم ان ما تم الاتفاق على تسميتها " ثورات الربيع العربي" جاءت التسمية تيمناً بما وقع في اوروبا، عام 1848، تحديدا في المانيا و فرنسا والنمسا والمجر ولاحقا ايطاليا، حيث ثارت الشعوب الاوروبية من اجل عدة مطالب منها ( تقليل ساعات العمل، السماح بتأسيس وعمل نقابات عمالية تحمي حقوق العمال، والتذمر من نظام "القنانة" القريب من مفهوم العبودية الخ...) الا ان ثورات الربيع العربي قامت على مطالب عربية ايضا وحقيقية، وبرغم ان العامل الخارجي كان واضحا احيانا من خلال تدخلاته في حرف بوصلة الاحداث، الا ان هذه الثورات كانت عفوية ودفعت الشعوب من دمها لكي تطلقها وتحقق مطالبها العادلة.

تؤكد عدة تقارير دولية ومنها تحديدا امريكية مثل "فورين افيرز" و " فورين بوليسي"، ان ما حدث عام 2010 و2011 هو بداية فقط لثورات قادمة ستكون عاتية وجارفة ولن تذهب فقط برأس الهرم السياسي الى غيابة الجب، بل الجسد الحكومي ايضا الذي يعتبر من اهم مكونات الدولة العميقة.. تلك المفاعيل التي أعاقت عملية تحول كاملة في شكل وطبيعة النظام السياسي. وما يجعل هذا الاستشراف يحظى بوجاهة كبيرة، ان القيادة التي تولت الحكم بعد لم تنجح في تحقيق الاستقرار الامني او الرفاهية التي كانت تعد بها. ولم تنجح في اخضاع باقي مكونات المجتمعات ايضا كجزء من النظام والدولة.

كما ان دخول الدول التي كانت تدعم الدول لإعادة الانظمة كما كانت قبيل عام 2011 تعاني الان من تراجع في مدخولاتها، حيث هبت سعر برميل البترول الى مستويات كارثية لن تمنح هذه الدول القدرة على دعم الثورات المضادة. بل وصل بهذه الدول الى حد الاستدانة من المؤسسات النقدية الدولية، بسبب دخولها في حرب اليمن وصرف مليارات الدولارات على تلك الحرب التي لم تحقق حتى الان أي هدف.

ويظل المخرج لمنع اندلاع هذه الثورات التي ستكون أقوى من ذي قبل، هو تحقيق المساواة بين كافة افراد المجتمع، واعطاء حريات أكبر وتخفيف القبضة الامنية عن الشعوب، ومنحها حق الاختيار وتطوير برامج التعليم والانعتاق من التبعية للخارج، حيث هذه النقطة تعتبر مرتكز اساسي للشعوب تجعلها تثور على قياداتها التي تراها مرتهنة للإرادات الخارجية. اضافة الى عنصر محوري ومهم وهو توفير دعم حقيقي للقضية الفلسطينية وليس مجرد استخدامها ورقة للتربح وكسب علاقات على حسابها وحساب شعبها المناضل.

كما ان على الانظمة عدم الاعتماد على رفد المرافق الحكومية بجيش من الموظفين كمخرج من أجل اسكات الشعب لأطول فترة ممكنة، لان ذلك سوف يصبح عبئ على الدولة ولن يفيد كثيرا في عملية التقدم والازدهار، بل تنويع مصادر الدخل، وخصخصة بعض المرافق مع ضرورة متابعة الدولة لها ومد يد العون لها ليحصل المواطن على خدمات بتكلفة مناسبة بعيدا عن طمع وجشع المؤسسات بعد ان تصبح ملك اشخاص او تدار من خلال الشركات متعددة الجنسيات.

هناك حلول في مقدرة الدول ان تقوم بها من اجل ان لا يقع صدام بين النظام ومجتمعه، حيث المجتمع يثور حينما يرى تراجع الدولة ودورها الرائد وعن عقدها الاجتماعي التي ابرمته ضمنيا مع الشعوب بكل اطيافه ومكوناته.