نابلس-نيويورك تايمز - النجاح الإخباري - مُسعفة شابّة ترتدي حجاباً على رأسها وتواجه الخطر لا تحتمي بشيء سوى معطفها الأبيض، وسط سحابة من الدخان الأسود والغاز المسيّل للدموع، تحاول الوصول إلى شخص ممدّد على الأرض على حدود قطاع غزة.

وعلى الجانب الآخر، يراقب الجنود الإسرائيليون الموقف بحذر وهم يصوّبون أسلحتهم.

تمرّ دقائق قبل أن يقطع صوت طلقة نارية ضجيج المشهد، لينضمّ رمزٌ جديد إلى قائمة الرموز التي خلّفها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

أيام قلائل من شهر يونيو كانت هي الفترة التي انتبه خلالها العالم لمقتل روزان النجار صاحبة العشرين ربيعاً التي قُتلت أثناء إسعافها للمصابين في الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. وبينما كان جثمان الفتاة يوارَى في الثرى، كان اسمها قد أصبح رمزاً لهذا النزاع، وقدّم الطرفان روايتين تناقض إحداهما الأخرى.

فالفلسطينيون قالوا إنها شهيدة بريئة زُهقت روحها بدمٍ بارد، فيما اعتبروه دليلاً على استخفاف الإسرائيليين بأرواح الفلسطينيين. أما الإسرائيليون فكانوا يرونها طرفًا في احتجاج قائم على العنف يستهدف تدمير بلادهم، وهو ما يجب التصدي له بالقوة المميتة كملاذ شرعي أخير.

حاول الفلسطينيون تنميق روايتهم الأولى فقالوا إنها قُتلت ويداها مرفوعتان في الهواء. أما الجيش الإسرائيلي فنشر على موقع تويتر مقطع فيديو اقتُطعت منه بعض الأجزاء على نحو مُغرض بحيث تظهر فيه روزان النجار وكأنها تجعل من نفسها درعاً بشرياً للإرهابيين.

في كلتا الروايتين، لم تكن رزان النجار أكثر من مجرد مجسّم كرتوني.

كشف تحقيق أجرته "نيويورك تايمز" أن حياة النجار وواقعة قتلها مساء الأول من يونيو هما أكثر تعقيداً بكثير مما تطرحه الروايتان. فالطابع الكاريزمي الجادّ الذي غلب على شخصيتها استعصى على توقّعات كلا الطرفين. قدّم موتها دليلاً واضحاً لثمن استخدام الإسرائيليين لأسلحة حربية في مواجهة الاحتجاجات؛ وهي سياسة حصدت أرواح ما يقرب من 200 فلسطيني.

أثبتت هذه الواقعة أيضًا أن كلّ طرف من طرفي النزاع حبيس دائرة لا نهائية وعصيّة على الحلّ من العنف. فالفلسطينيون الذين يحاولون اقتحام السياج الحدودي يخاطرون بحياتهم ليثبتوا موقفاً، وهم يدركون أن هذه الاحتجاجات لا تعدو أن تكون مجرد دعاية لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة. أما إسرائيل، وهي الطرف الأقوى في هذا النزاع، فلا تزال تواصل سياستها في احتواء الاحتجاجات بدلًا من البحث عن حلّ.

كانت رزان النجار قائدةً بالفطرة تتحلى بشجاعة نادرة اعتبرها أقرانها ضرباً من الطيش والاندفاع. كانت مُسعفة شابة بارعة، غير أنها علّمت نفسها بنفسها وزيّفت حقيقة عدم استكمال تعليمها. كانت لديها نزعة نسويّة تضرب بالاعتبارات الجنسانية التقليدية عرض الحائط، وكانت في الوقت نفسه تكنّ حبّاً كبيراً لأبيها، وتلقي اهتمامًا لمظهرها الخارجي، وتجمع جهاز عُرسها شيئاً فشيئاً. ألهمت روزان الآخرين بحيويّتها، لكن بينها وبين نفسها كان القلق يستنزفها في أيامها الأخيرة.

وجدت "نيويورك تايمز" أن الرصاصة التي قتلت روزان قد أطلقها قنّاص إسرائيلي على حشد ضمّ مسعفين آخرين يرتدون معاطفهم البيضاء. وفي استحضار تفصيلي للمشهد أجرته الصحيفة مستعينةً بمئات الصور ومقاطع الفيديو المنشورة، اتضح أنه لم يكن هناك أي شخص سواء من المسعفين أو غيرهم يمثّل أي تهديد بالعنف على الجنود الإسرائيليين. ورغم اعتراف إسرائيل لاحقاً أن واقعة القتل لم تكن مقصودة، فمن الواضح أن إطلاق النار كان تصرفاً عشوائياً في أحسن الأحوال، وربما يُعد جريمة حرب لم يعاقَب عليها أحد إلى الآن.

الجمعة، 1 يونيو، 3:45 صباحاً

بدأ آخر يوم في حياة روزان قبل طلوع الشمس، فها هي تطهو السمبوسك التي ستتناولها مع أبيها في وجبة السحور. تعرض على أبيها الملابس الجديدة التي اشترتها لأخيها الصغير "أمير" البالغ من العمر خمس سنوات. يصليان معاً قبل أن يعودا للنوم مرة أخرى.

عندما استيقظ الأب من نومه في الظهيرة، كانت روزان قد غادرت المنزل.

بالقرب من المنزل الواقع في خزاعة، توجد أرض قاحلة تحوّلت إلى ميدان لأحد الاحتجاجات الخمسة الممتدة على طول السياج الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة. كلّ يوم تقريباً على مدار الأسابيع التسعة الماضية، يحتشد مئات الفلسطينيين هنا للمشاركة في الاحتجاجات، وأحيانًا يصل العدد إلى الآلاف أيام الجمعة. تبلغ الاحتجاجات ذروتها مع رمي الحجارة والقنابل النارية على الإسرائيليين الذين يردّون بإطلاق النيران وقنابل الغاز المسيل للدموع. الهدف المعلن للمحتجين هو اقتحام السياج الحدودي والعودة إلى بيوت أجدادهم فيما يُعرف الآن بإسرائيل. لكن التركيز المباشر ينصبّ على الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة الذي بدأ قبل 11 عاماً. فالحصار، الذي تشارك فيه مصر على طول الحدود الجنوبية لغزة، تسبّب في خنق الاقتصاد وخلّف وراءه مليوني شخص محاصرين داخل القطاع.

يتمنّى المسعفون أن يمرّ اليوم بهدوء، لكنها أمنية لم تدم طويلاً حيث احتدمت الاحتجاجات قرابة الخامسة مساءً. اندفع حشد من المحتجين نحو السياج ليردّ الإسرائيليون بوابل من قنابل الغاز المسيّل للدموع.

لم يكن هناك أي تبادل لإطلاق النار بعد، فمازحت روزان زميلها المسعف محمود عبد العاطي قائلة: "هيا بنا ننال الشهادة معاً. تقدّم أنت وسأعتنى بك عندما تصاب."

ثم توجّهت لأحد المتطوعين في الفريق ويُدعى محمود قديح بسؤالها: "هل تخشى الموت؟ نحن نموت مرة واحدة."

"كان الجميع يعرفونها"

كانت روزان كابوساً يُقلق قوات الدفاع الإسرائيلي بكل ما تحمله شخصيتها الكاريزمية من نزعة وطنية، وروح شابّة، ومشاعر عطف على الآخرين.

في أول أيام الاحتجاجات الذي وافق 30 مارس، كانت روزان الفتاة الوحيدة والأصغر سنّاً في فريق من ثلاثة أشخاص يتولّون إسعاف الجرحى.

على جانب الشباب الفلسطيني الذين يرتدي سراويل الجينز والقمصان قصيرة الأكمام ويلقون الحجارة على الجنود الإسرائيليين، كانت روزان تظهر دائماً بجوار أي شاب فور سقوطه، فتضمّد الحروق، وتجبر الكسور، وتوقف نزيف الجروح، وتُسمعهم كلمات التشجيع، وأحياناً تسمع كلماتهم الأخيرة.

تنبّه الصحفيون لها، فأصبح اسمها بين ليلة وضحاها حاضراً في جميع الأخبار الصحفية ومنها إلى مواقع التواصل الاجتماعي. تقول المسعفة لمياء أبو مصطفى: "كان الجميع يعرفونها."

على مدار الأسابيع التسعة التالية، اخترقت إحدى الشظايا قدمها، وتعرضت لحروق بفعل إطار مشتعل، وكُسر ذراعها بفعل قنبلة غاز مسيل للدموع، لكنها أزالت الجبيرة في نفس اليوم وعادت لمنطقة الاحتجاجات.

لم تكن النجار ممن يرتعدون خوفاً عندما يطلق الجنود الإسرائيليون النيران، فكانت تقول لزملائها: "طلقات الرصاص التي نسمعها لن تؤذينا". كانت تعني بذلك أننا لن نسمع صوت الطلقة التي ستودي بحياتنا.

ألهمت روزان غيرها من النساء ليصبحن مسعفات مثلها، رغم الأعراف الاجتماعية في هذه المنطقة المسلمة المحافِظة التي تقتصر فيها الأعمال الشاقة على الرجال. تتحدث نجوى أبو عبده – جارتها البالغة من العمر 17 عامًا – عن قرارها بالانضمام للمتطوعين: "أردت أن أكون مثل روزان؛ شجاعة وقوية وتساعد الجميع."

لم تكن روزان متزوجة أو مهتمة بالزواج في الوقت الحالي، فظلّت هي البطلة الأولى في قصتها. كانت ترسل لأقرانها رسائل تحمل بعض دلالات الودّ ما جعل كل واحد منهم يعتقد أنه الأقرب إليها. زيّفت روزان حقيقة مؤهلاتها وادّعت أنها طالبة في الجامعة، وانشغل تفكيرها بالقيل والقال والغيرة بين دائرة معارفها الاجتماعية.

لكنها كانت تفكّر فيما هو أكثر من ذلك.

لم تكن الاحتجاجات في نظرها مجرد فرصة للتنفيس عن غضبها تجاه السياج الشائك الذي جعل من غزة سجناً كبيراً، بل كانت فرصة لاكتساب خبرة طبية، وكسب شهرة، وربما تحقيق هدفها في الالتحاق بكلية التمريض.

الغاز المسيّل للدموع يملأ الأرجاء. لم يكن الإسرائيليون قد أطلقوا الذخيرة الحية بعد، لكن الأبخرة الحارقة تنتشر في كل مكان. يصف المسعف فارس القدرة المشهد قائلاً: "كان كضباب كثيف".

الميدان الآن أشبه بمسرح رقص عملاق؛ فالمحتجون يتقدمون نحو السياج، فيطلق الإسرائيليون قنابل الغاز، ليعود المحتجون أدراجهم. ويتكرر المشهد مرّة بعد مرّة.

كانت روزان تركض في المكان، يميزها معطفها الأبيض وحُمرة شفاهها، ترش المحلول الملحي على عيون المحتجين لإبطال أثر الغاز. يحتاج عدد كبير من المحتجين إلى مساعدتها لدرجة أنها لم تكن تستطيع إسعاف الجميع.

أصيب رجل يبلغ من العمر 54 عامًا بقنبلة غاز في جبهته، فأسرعت إليه تضمّد جرحه ثم ركضت بجواره محمولاً إلى سيارة الإسعاف.

سياج هشّ

لم تكن غزة حبيسة الأسلاك الشائكة وأجهزة الاستشعار والمتاريس طوال عهدها.

فقبل عام 2005، كان سكان غزة يعملون في إسرائيل، لكن الهجمات الصاروخية والتفجيرات عقب الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000 دفعت إسرائيل إلى محاصرة القطاع بطوق أمني وإخلاء مستوطناتها هناك. عندما استولت حماس على الحكم من السلطة الفلسطينية بعد حرب أهلية دامت أسبوعاً عام 2007، فرضت إسرائيل حصاراً قاسياً على القطاع وشدّدت إجراءات السفر والتجارة.

بحلول عام 2017، وعقب ثلاث حروب مع إسرائيل، كان اقتصاد غزة يعاني حالة من الفوضى وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عازماً على القضاء على حركة حماس، فقام بتسريح آلاف العمال وقطع الكهرباء عن غزة بضع ساعات من وقت لآخر.

ومع تدني مستوى التأييد لحركة حماس، دعا الشباب في غزة إلى احتجاج جماعي ضد الحصار، فاقتنصت حماس الفرصة وأعادت توجيه الغضب الشعبي نحو إسرائيل. وعد المسؤولون بعدم استخدام العنف، لكنهم شجعوا المتظاهرين على محاولة اقتحام السياج الحدودي.

سرعان ما تزايدت الحشود استجابة لدعوات رجال الدين إلى المشاركة في الاحتجاجات ونشر حماس حافلات لنقل المحتجين. أصبحت الاحتجاجات أشبه بسيرك قومي؛ فالأمهات يصطحبن أطفالهن والباعة يتجولون بالفلافل والأسر تبيت في الخيام. بالقرب من السياج، كان الشباب يشعلون إطارات السيارات ويتسللون حاملين قاطعات الأسلاك أو القنابل النارية البدائية يقدمون للقناصة الإسرائيليين صيداً سهلاً.

كانت الاحتجاجات تثير حنق الإسرائيليين؛ فترسيم الحدود تم باستخدام سياج وليس سوراً - وهي آلية هشة نسبيّاً هدفها كشف عمليات التسلل وليس منعها. على أرض الواقع، لم تكن تلك حدوداً معترفاً بها، وإنما مجرد خط هدنة رُسم عام 1949 في أعقاب الحرب بين إسرائيل والدول العربية.

ومع الخوف من هجوم الآلاف، حذّر الجيش الإسرائيلي سكان غزة من أنه سيطلق النار على أي شخص يقترب من السياج.

في وقت لاحق، صرّح مسؤولون إسرائيليون أن السياسة العسكرية تقضي باستخدام القوة المفضية إلى الموت كملاذ أخير فقط ضد التهديدات الوشيكة بالعنف وبعد استنفاد الخيارات الأخرى كالتحذيرات الشفهية وقنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات التحذيرية. كما أصرّ متحدثون باسم الجيش أنه لا بد من الحصول على موافقة القادة قبل إطلاق أي طلقة، وفي تغريدة حُذفت لاحقاً على موقع تويتر كُتب: "نعرف المكان الذي تستقر فيه كلّ طلقة."

رغم كلّ هذا، خلّف أول يوم في الاحتجاجات أكثر من 20 قتيلاً ومئات الجرحى. ومنذ ذلك الحين، قُتل قناص إسرائيلي واحد بينما بلغت حصيلة القتلى بين صفوف الفلسطينيين 185 قتيلاً.

كان من بين القتلى سيدتان و32 طفلاً وصحفيون، وشخص مبتور الساقين على كرسي متحرك، وشاب كان يحمل إطار سيارة بين يديه ويركض بعيدًا عن السياج عندما أصابته رصاصة في ظهره.

كان من بين القتلى أيضًا مسعفون.

6:13 مساءً

بلغت الاحتجاجات نقطة توتر جديدة؛ فبضع عشرات من المحتجين تقدموا حوالي 200 ياردة شمالاً على طول السياج متجاوزين متراساً على الجانب الإسرائيلي كان علامة على نهاية منطقة الاحتجاجات في الجهة الشمالية.

كأنها سجينة

باستثناء زيارة إلى مصر عام 1997 حين كان عمرها 3 أيام، قضت روزان النجار حياتها حبيسة قطاع غزة وتحديداً في بلدة خزاعة، وهي بلدة حدودية صغيرة ينتمي جميع سكانها لعائلة النجار وترجع أصولهم للاجئين الذي قدموا إليها من قرية سَلَمة التابعة لمدينة يافا عام 1948.

تميزت روزان بنضوجها المبكر فالتحقت برياض الأطفال في سن العامين وحفظت بعض الكلمات الإنجليزية وأبيات الشعر. كانت أمها صابرين تسجل أصوات ضحكها. تقول الأم: "لم يكن ليهدأ لها بال إذا رأتني حزينة."

لكن روزان كانت فتاة أبيها المدللة؛ فأبوها أشرف النجار كان مقاولاً نحيل القامة لم يبخل بتدليلها عندما كان ذلك في استطاعته. كان النجار يعمل في إسرائيل لمدة شهور متواصلة يشتري خلالها قطع الأثاث والأجهزة الكهربائية ويبيعها في غزة بأربعة أضعاف ثمنها.

يقول الأب: "أحنّ لتلك الأيام."

حصلت روزان في طفولتها على لُعبة على شكل سماعات طبية، وكان والدها يترقّب إرسالها يوماً ما لدراسة الطب في الخارج.

لكن تلا ذلك الصواريخ والحصار والحروب. لم يعد الأب قادراً على العمل في إسرائيل، فافتتح متجراً لصيانة الدراجات النارية، لكن أزالته جرافات الجيش الإسرائيلي في اجتياح القطاع عام 2014 لينتهي الحال بإفلاس الأب واعتماده على المساعدات من أشقائه. لم تكن روزان تشارك في الرحلات الميدانية بالمدرسة توفيراً للنفقات.

تحولت خزاعة إلى أنقاض خلال الحرب. فقدت روزان اثنين من أصدقائها، أحدهما لقى حتفه مع أكثر من 20 شخصاً من أقاربها. شاهدت بعينها جسد أحد أبناء عمومتها ممزقاً. دُمّر بيتها، وفُقدت التسجيلات التي كانت تحمل ضحكاتها. عندما عادت الأسرة من المأوى، كان القتلى والجرحى ممددين في الشوارع.

قبالة المتراس الإسرائيلي، ركضت روزان النجار نحو السياج لمساعدة شاب على مرأى من الجنود الإسرائيليين. قام شخص من ورائها بإلقاء حجارة نحوهم مستغلاً وجودها كغطاء.

اثنان من المحتجين محاصران بالقرب من السلك الشائك وممددان على الأرض.

 

تحاول روزان ومعها مسعفون آخرون – من بينهم أصدقاؤها رشا قديح ورامي أبو جزر – التقدم للأمام مرة أخرى لتقديم المساعدة. يرفعون أيديهم في الهواء ليثبتوا للإسرائيليين أنهم لا ينوون أي أذى.

دوت طلقتان في الهواء، فلوّحت روزان للجنود الذين كانوا يبعدون عنها مسافة 50 ياردة فقط كيلا يطلقوا النيران. لكن مع اقترابها، دوت طلقت أخرى في الرمال على مقربة منها.

ظهر جندي من خلف سيارة جيب وهو يصوّب بندقيته. صرخت رشا: "القناص يستهدفنا."

استدار المسعفون وركضوا بعيدًا مع انهمار وابل جديد من قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم، لكن روزان كانت أكثرهم بطئاً.

شجاعة منذ الصِّغر

كلّ من رأى روزان في الاحتجاجات أدهشه استعدادها للوقوف في طريق الخطر. توالت مقاطع الفيديو التي تظهر فيها روزان كأول من يبادر بتقديم المساعدة وآخر من يصل إلى برّ الأمان.

تقول إسلام عوكل، وهي ممرضة مختصة في علاج الصدمات من رفح تطوعت في احتجاجات خزاعة بعد أن سمعت عن روزان: "كانت مندفعة. أخبرتها أن أولويتها الأولى هي الحفاظ على سلامتها. تناقشنا كثيراً حول هذا الأمر، لكن كانت الغلبة لشجاعتها."

في المدرسة الثانوية، كانت روزان الأكثر تفوقاً بين مجموعة من المراهقات المتمردات اللاتي شعرن بالحنق من ارتداء الزي المدرسي الموحّد؛ وهو حجاب أبيض وبنطال أسود. كانت روزان ترتدي ألواناً زاهية غير عابئة بما ستناله من توبيخ.

كانت الفتيات يلزمن الهدوء داخل الفصل المدرسي، على عكس روزان التي كانت تقاطع المدرسين بالأسئلة، وتتمسك بموقفها عندما تتعرض للانتقاد، وترد الحديث دائماً ولكن بابتسامة تعلو وجهها.

 

من الصعب تحديد منشأ تلك الشجاعة والجرأة، لكن كثيرين ممن عرفوها عن قرب تحدثوا عن تعرضها لصدمة وهي بعدُ في الخامسة عشرة من عمرها.

 

فخلال الامتحانات النهائية للصف العاشر، عادت روزان إلى البيت لتشهد موقفاً عصيبًا في منزل العائلة المكون من أربعة طوابق. فخالتها نوال قديح، التي كانت حبلى في شهرها السابع وكانت روزان تكنّ لها حباً جمّاً، كانت منبوذة من عمّاتها وجدّتها اللائي رفضن السماح لها باستخدام مطبخ العائلة. عندما شاهدت الجدة نوال وهي تغسل الأواني في المطبخ، اندلع شجار بينهما شاهدت فيه روزان جدّتها وهي تدفع الخالة على الدَرَج حيث فقدت حياتها وحياة جنينها.

 

كانت روزان الشاهدة الوحيدة على الواقعة وكان عليها أن تختار ما بين الصمت وإهدار حق خالتها عملاً بالعُرف الاجتماعي الذي يقضي بأن تترك الفتاة عبء القضايا القانونية للرجال، أو أن تقول الحقيقة وربما تكون سبباً في الزج بجدّتها في السجن.

شهدت روزان وحُكم على جدّتها بالقتل الخطأ وقضت أكثر من عام في السجن.

تقول نسرين أبو إسحاق، معلمة الدين في مدرسة روزان الثانوية، إن هذه المحنة جعلتها "أكثر صلابة وجرأة". أما سوزان مهدي، إدارية بالمدرسة، فقالت إنه بعد هذه الواقعة "ما كان شيء ليقف في طريقها."

لكن المال وقف في طريقها. اعتراها اليأس لمعرفتها أنها لن تقوى على تحمل نفقات الجامعة، كما أنها أخفقت في بعض امتحانات القبول، غير أنها لم تستسلم.

 

تقول والدتها: "على العكس، قالت "لن أضيع سنوات عمري في انتظار تحسن الوضع – سأجد سبيلاً آخر.""

بدأت في الحصول على دورات أساسية في الإسعافات الأولية واكتشفت أن بإمكانها أن "تغضّ الطرف" عن دفع المصروفات. قالت لصديقتها التي كانت تدفع حوالي 5 دولارات قيمة الرسوم: "لا تكوني حمقاء."

قضت روزان وقتها بالقرب من غرف الطوارئ تؤدي بعض المهام البسيطة وتراقب العمليات الجراحية وتتظاهر بانتمائها للمكان إلى أن يكتشف طاقم العاملين حقيقتها. عندما أسرع سيف عبد الغفور بصحبة عمّه الذي كان يحتضر إلى مستشفى ناصر، وجد نفسه في حيرة من أمره، فأرشدته روزان إلى المكان الذي يجب أن يتوجهوا إليه. يقول سيف: "لم تكن تعرفنا، لكنها عاملتنا كأننا إخوتها."

 

ساعدتها الاحتجاجات في اختبار مهاراتها. وعندما أجرت وزارة الصحة اختباراً تحريرياً لنحو 200 مسعف متطوع، حصلت روزان على تقييم 91 وهو الأعلى بين الجميع. حصلت بعدها على بطاقة تعريفية، ومعطفاً أبيض، وسترة مخصصة للمسعفين باللونين الأبيض والوردي.

ارتدتها جميعاً كأنها درع واق.

6:20 مساءً

إلى الشمال بعد المتراس، يلقي اثنان من المتظاهرين قنابل نارية بدائية الصنع على الإسرائيليين. ورغم عدم وقوع أي ضرر، كانت تلك إشارة تصعيدية بعد إلقاء الحجارة.

تحاول روزان التعافي من أثر الغاز المسيل للدموع الذي استنشقته لتوّها، وبالقرب منها يبدأ المحتجون في تمزيق جزء جديد في السلك الشائك.

دوت إحدى الطلقات النارية فجأة، وأصيب شاب في المجموعة المتمركزة إلى الشمال في ساقه.

هكذا تقضي التعليمات الموجهة للقوات الإسرائيلية، وهي سياسة هدفها تقليل الوفيات إلى الحد الأدنى حسبما أشار مسؤولون إسرائيليون. لكنهم يطلقون وابلًا من الطلقات على أهداف تبعد مئات الياردات. يقول خبراء القذائف إن الطلقة التي تضلّ هدفها على بعد 100 ياردة ترتد كحجارة مسرعة.

يقول قائد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى: "إذا لم أُصب الهدف واصطدمت الطلقة بصخرة، فلا يمكنني أن أحدد مسارها لاحقاً."

عندما أصيب محمود أبو شاب، 26 عامًا، في يده بعد أن كان يقذف الحجارة ملثمًا بالكوفية، ساعدته روزان في وقف النزيف. وفي أحد الأيام في شهر أبريل عندما لم يستطع تخليص نفسه من كتلة أسلاك شائكة انتُزعت من السياج، قامت روزان بتضميد جراحه.

وقفت روزان على قدميها مرة أخرى إلى جانب لمياء أبو مصطفى أقرب أصدقائها في فريق المسعفين. يقوم المحتجون الآن بحسب الأسلاك الشائكة نحو الجنوب وهم يرفعون الحبل الطويل الذي يستخدمونه فوق رؤوس النساء.

تشعر لمياء بالخوف، فمن عادة الإسرائيليين إطلاق النار على من يسحبون الحبل. ألحّت لمياء على روزان كي تغادرا المكان.

أخيراً نجح المحتجون الذين يسحبون الحبل في الفرار بلفافة صغيرة من الأسلاك الشائكة وتبعهم حشد آخر ليخفت الضجيج حول روزان وصديقتها.

لم يكن محمود يعرف أنها هي التي تشتري المستلزمات الطبية بنفسها. كانت تجمع شيكل واحداً كل يوم من مجموعة من النساء المؤيدات للاحتجاجات، بل وباعت خاتمها الذهبي لتشتري تلك المستلزمات.

تقول ندى اللحام، إحدى المتطوعات: "أرادت دائماً أن تكون عند السياج، أن تكون ابنة الرجال."

يقول والدها إنه كان يحثّها على أن ترتاح يوماً واحدًا لكنها كانت تقول: "لا أستطيع أبي، هناك أشخاص يحتاجونني."

ذهبت والدتها إلى مكان الاحتجاجات، لكن حديثهما كان يُقطع على نحو مفاجئ. تقول الأم: "فجأة يصاب أحد المحتجين فتتوقف عن الحديث وتقول "عليّ أن أذهب. فأحدهم يحتاج إليّ.""

اعتبرت روزان دورها جزءاً من القضية الفلسطينية شأنها في ذلك شأن من يشعلون إطارات السيارات ومن يقطعون الأسلاك الشائكة. أصبحت متحدثة متمرّسة ولم ترفض طلب إجراء مقابلة قط.

رائحة الموت

مع استمرار الاحتجاجات، امتزجت شجاعة روزان بتلميحات متكررة ومتزايدة حول موتها المحتمل.

كتبت روزان على موقع فيسبوك بتاريخ 5 مايو: "يا رب عندما تنتهي حياتي، اجعلني ذكرى حلوة لمن عرفني."

وكتبت بعدها: "قالوا انحني قليلاً فالرصاصة في طريقها إليكِ. قلت لهم إنها اختارتني لأني لا أعرف الانحناء، فلماذا أغير طريقي.""

أرسلت روزان رسالة اعتذار لإحدى صديقاتها تحسباً لاستشهاد إحداهما.

وفي 24 مايو قالت لصديقة أخرى: "تذكّروني بدعوة طيّبة".

قال والديها إن هذا الكلام التشاؤمي لم يكن من خصالها. ففي الوقت الذي يقول فيه الكثيرون في غزة إنهم يفضلون الموت على وضعهم الحالي، كانت روزان "تتشبث بالحياة" على حد قول أمها. "لم تتمن الشهادة قط، بل كانت تحب الحياة."

يقول أصدقاؤها إن أسعد يوم مرّ عليها كان يوم الثلاثاء 29 مايو حين صرفت شيكاً بمبلغ 100 دولار كان هدية لكل فرد في فريق المسعفين، جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، من رؤسائهم في الضفة الغربية. في هذا اليوم رافقت أصدقاءها على متن قارب صغير انطلق من غزة آملين اللحاق بسفينة مساعدات كان تتحدى الحصار المفروض على القطاع.

أبحر القارب في الماء قرابة ثلاث ساعات تحت شمس البحر الأبيض المتوسط الساطعة قبل أن يجبرهم زورق حربي إسرائيلي على العودة.

يقول عبد الغفور الذي ساعدته روزان في المستشفى والذي أصبح صديقها منذ ذلك الحين: "قلتُ أتمنى ألا نتعرض لإطلاق النار، فقالت "دعهم يطلقون النار علينا! سنموت أصدقاء."

أوشكت الشمس على الغروب واقترب وقت الإفطار. يبدو الوضع هادئاً عند السياج الحدودي.

يتوجه أحد الجنود الإسرائيليون بنظره نحو المكان الذي تقف فيه زران وعلى ما يبدو أنه يرى شخصاً يلوّح بالعلم الفلسطيني عالياً، وعدداً من المحتجين يتجولون في المكان، ومجموعة من المسعفين يساعدون أحد المحتجين على التعافي من أثر الغاز المسيل للدموع. ليس ثمة تهديد صادر عن أي شخص في تلك المنطقة؛ فالغاز المسيل للدموع يحقق هدفه المرجو حيث يحول دون الحاجة إلى استخدام القوة الفتاكة.

فجأة، دوت طلقة نارية أخرى.

يقول أحد المسعفين ويُدعى محمد الشافعي، إنه رأى أشياء "تشق طريقها في جسدي". أصيب محمد بشظايا رصاص صغيرة في صدره.

ينتبه رامي أبو جزر لانفجار على الأرض، ثم يصرخ ألماً إثر إصابته بجرح في فخذه.

خلفهما، تضع روزان يدها على ظهرها ثم تسقط أرضاً.

ترفع لمياء أبو مصطفى نظرها وسط حالة من الذهول، بينما يقوم المحتجون الذين أسعفتهم روزان قبل دقائق بحملها لتتدفق الدماء من صدرها.

قرار إطلاق النار

ثلاثة مسعفين سقطوا أرضاً جراء طلقة واحدة. يبدو الأمر غير محتمل الوقوع.

لكن إعادة استحضار المشهد الذي أجرته التايمز تؤكد حدوثه؛ فالطلقة أصابت الأرض أمام المسعفين ثم تحولت إلى شظايا وارتدّ جزء منها للأعلى مخترقاً صدر روزان.

انطلقت الرصاصة من جدار رملي يستخدمه القناصة الإسرائيليون على بعد 120 ياردة على الأقل من المكان الذي سقط فيه المسعفون.

ورغم أن قواعد الاشتباك المتبعة في الجيش الإسرائيلي خاضعة للسرية، قال المتحدث الرسمي باسم القوات الإسرائيلية العقيد جوناثان كونريكوس، أن القناصة لا يطلقون النار إلا على من يشكلون تهديدًا بالعنف مثل "قطع السياج وإلقاء القنابل".

يُعد القتل العمد لأي مسعف أو مدني جريمة حرب. سرعان ما أقرت إسرائيل بأن قتل زران النجار لم يكن مقصوداً.

يقول العقيد كونريكوس: "لم تكن المسعفة هدفاً. لم يحدث قط أن كان أفراد الطاقم الطبي هدفاً."

رغم ذلك، لم يقم أي جندي إسرائيلي بالإبلاغ عن حوادث قتل وقعت عن طريق الخطأ. فالتقارير التي صدرت عقب الواقعة أشارت إلى أن القناصة استهدفوا أربعة أشخاص هذا اليوم وأصابوهم جميعاً.

وجدت نيويورك تايمز المحتجين الأول والثالث والرابع وجميعهم مصابين في الساق تماماً مثلما ذكر الجيش الإسرائيلي، لكنها لم تجد أي شخص يطابق مواصفات الشخص الثاني الذي تعرض لإطلاق النار في نفس الوقت الذي قُتلت فيه روزان النجار.

ذكر الجيش الإسرائيلي أنه كانت رجلاً يرتدي قميصاً أصفر وكان يلقي بالحجارة ويسحب السياج. لكن الرجل الوحيد الذي كان يرتدي قميصاً أصفر في مكان قريب من خط النيران لم يكن يقوم بذلك أو بأي فعل آخر. تأكدت نيويورك تايمز أن هذا الشخص كان يقف على بعد 120 ياردة من السياج ولم يكن يمثل أي تهديد يُذكر.

حتى وإن كان هذا الرجل هدفاً مشروعاً، يظل هناك المسعفون الواقفون وراءه.

أشار قناصة إسرائيليين وأمريكيين سابقين إلى أن إطلاق النار يُعد تهوراً إذا كان فيه خطر على أي شخص لا يشكل هدفًا مشروعاً. القتل العشوائي أيضاً يمكن أن يُصنّف على أنه جريمة حرب.

أشار البروفيسور ريان جودمان، خبير قوانين الحرب في جامعة نيويورك ومستشار خاصّ سابق للبنتاغون حول جرائم الحرب وقواعد الاستهداف، إلى أن العامل الرئيسي في تحديد وقوع جريمة حرب من عدمه هو ما إذا كان القناص مدركاً لوجود احتمال كبير بتعرض مدنيين للأذى.

يقول جودمان: "قوانين الحرب تفرض ألا يقوم أي عسكري بإطلاق النار عمداً في اتجاه المسعفين. لا أقول بالقرب من خط المواجهة، بل فيما وراءه."

تراكم الأخطاء

صرّح قائد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى للتايمز في أغسطس أن نحو 60-70 محتجّاً آخر قد قُتلوا دون قصد، وهو ما يساوي نصف عدد القتلى خلال تلك الفترة.

لكن قواعد الاشتباك في الجيش الإسرائيلي لم تتغير، حسبما صرح الجيش.

يقول الخبراء إن هذا الأمر يمكن أن يشكّل انتهاكاً قائماً بذاته للقانون الدولي الإنساني؛ فبعد مقتل هذا العدد من المدنيين كان حريٌّ بالقادة العسكريين إجراء التغييرات اللازمة لضمان عدم استهداف المدنيين دون مبرر.

يقول نعوم لوبيل، أستاذ قانون النزاعات المسلحة في جامعة إسيكس: "هكذا تفقد الحق في أن تقول "لم يكن ذلك مقصوداً"".

يطرح ذلك العدد الكبير من وقائع القتل الخطأ، وعدم تحرك الجيش الإسرائيلي لتغيير قوانين الاشتباك في ضوء تلك الأحداث، تساؤلاً حول ما إذا كان الأمر مجرد خطأ غير مقصود أم أنه سمة من سمات السياسة العسكرية للجيش الإسرائيلي.

قال العقيد كونريكوس إن من قُتلوا دون قصد لا يُشترط أن يكون قد تعرضوا لإطلاق النار دون قصد أيضاً. ففي بعض الأحيان يصوب الجنود على ساق الشخص الذين يعتبرونه هدفاً مشروعاً لكنهم يتسببون في قتله بدلاً من إصابته.

يعتبر الإسرائيليون أن أي شخص ينتمي لحركة حماس هو هدف مشروع سواء أكان مسلّحاً أم لا، وهو أحد تفسيرات القانون الدولي غير المعترف بها عالمياً.

أشار العقيد كونريكوس أيضاً إلى أن قواعد الاشتباك لا تمثل سوى الحد الأقصى لاستخدام القوة، وأن الجيش يتخذ إجراءات أخرى، مثل تدريب القوات عند تكليفهم بحماية السياج لأول مرة، للحدّ من وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين.

أقرّ كونريكوس بوقوع أخطاء، لكنه قال إنه لم يُشتبه في تورط أي جندي في القتل العمد لأي شخص.

في 29 أكتوبر، بعد نحو خمسة أشهر من وفاة روزان النجار، بدأ المدعي العام العسكري الإسرائيلي تحقيقاً جنائياً حول الواقعة.

لكن المسؤول العسكري رفيع المستوى أخبر التايمز في أغسطس أنه لا توجد أي تسجيلات لعملية القتل من الجانب الإسرائيلي، وأنه لا يعرف تحديدًا الوقت الذي قُتلت فيه النجار، مشيراً إلى أنه علم بذلك من الصحيفة.

تكتفي إسرائيل على ما يبدو بقولها إن حماية حدودها مسألة معقدة. يقول العقيد كونريكوس: "للأسف نعم، في موقف كهذا تقع الحوادث وتُفضي إلى تبعات غير مقصودة."

أسرعت سيارة الإسعاف بروزان النجار إلى إحدى خيمات إسعاف المصابين حيث وُضعت في "المنطقة الحمراء" المخصصة لحالات الصدمات.

لطالما أرادت روزان أن تكون في هذا المكان فكانت تتردد على الخيمة كثيراً حتى في الأوقات التي لم تكن ترافق فيها أحداً من المرضى. الآن يحتشد حولها الطاقم الطبي محاولين إنقاذها. الطبيب الذي يتولّى إسعافها الآن هو نفس الطبيب الذي وضع امتحان وزارة الصحة الذي تفوقت فيه روزان في شهر أبريل.\

سجّل ثلاثة من الواقفين المشهد على هواتفهم المحمولة تخليداً لذكراها.

لفظت روزان أنفاسها الأخيرة قبل أن تصل إلى إحدى المستشفيات القريبة، حيث أُعلن عن وفاتها الساعة 7:10 مساءً.

يقول والدها المكلوم وهو يذرف الدموع: "لماذا قتلوها؟ كانت ملاكاً للرحمة."

انضمت روزان إلى قائمة من يُحتفى بهم على أنهم شهداء غزة؛ واتخذ وجهها الباسم مكانه على الجدران واللافتات في القطاع. أصبحت روزان رمزاً، ليس لما تمنّاه أي طرف من الطرفين، بل لصراع أبديّ عصيّ على الحل وللأرواح التي أُزهقت منذ بدايته.