غزة -اسامة الكحلوت - النجاح الإخباري - لم يصدّق عماد الدين الصفطاوي أنَّه با حرًّا بعد (18) عامًا من الاعتقال، إلا بعد أن شاهد أسرته تتسابق لاحتضانه أمام بوابة معبر إيرز قبل أسابيع قليلة ماضية.

فرغم انتهاء مدَّة محكوميته وقضاء الحكم كاملاً، وبدء إجراءات إدارة السجون التوقيع على الإفراج عنه، إلا أنَّ توقعاته بعودته للسجن كانت المسيطرة على تفكيره في هذه اللحظة، لكن بإدراكه الحقيقة، ووقوفه أمام بوابة المعبر و احتضان أسرته، غاب عن الوعي بشكل لا شعوري.

عماد  مكث في سجون الاحتلال (18) عامًا، بعد اعتقاله على بوابة معبر رفح عام (2000)، أثناء عودته من دبي خلال رحلة سفر عادية، بعدما كان على رأس عمله في السلطة الفلسطينية، مديرًا لدائرة المساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

هو أب لخمسة أبناء، كانت بداية حكايته في الاعتقال عام (1986) بتهمة مقاومة الاحتلال، والمشاركة في العمل العسكري، أمضى حينها خمسة شهور، ثمَّ قرَّر الفرار برفقة خمسة آخرين من الأسرى، ومكث حينها مطاردًا مدَّة عام في قطاع غزَّة، إلى أن هرب لمصر مع صديق له، ومن هناك سافر إلى عدَّة دول عربية.

ومكث أشهرًا يتنقَّل من دولة إلى أخرى، إلى أن عاد إلى قطاع غزَّة مع السلطة الفلسطينية، وانضم في صفوفها في العام (1996) كعضو مجلس وطني، تعيَّن بعدها في وزارة الأوقاف، إلى أن تمَّ اعتقاله مجدَّدًا بتهمة مقاومة الاحتلال.

ووصف عماد الأسر، بالعملية الصعبة والمعقَّدة من ناحية تداعياتها التي تنتاب الإنسان.

وأوضح عماد أنَّ الأسير يتمكَّن من التغلب على الأسر بعاملين فقط، وهما الصبر وحسن الظنّ بالله.

وحول تفاصيل الحياة داخل الأسر، قال عماد: "الحياة داخل السجون منظَّمة سواء من ناحية العلاقات مع الأسرى أنفسهم، أو بين الأسرى والسجان، ومن الطبيعي إذا أراد الإنسان حياة مستقرَّة أن يخطِّط لنفسه ببرامج قصيرة أو متوسطة أو طويلة المدى".

وكرَّس عماد وقته داخل السجن في القراءة، بالإضافة للعمل التنظيمي، وتعليم الأسرى، وتمكن داخل الأسر من افتتاح جامعة داخل السجن بالتعاون مع جامعات ومؤسسات أكاديمية، حيث تمَّ إنجاز برامج دبلوم وبكالوريوس للأسرى، وكان له أثر عظيم على الجميع بالقراءة والتثقيف الذاتي في شتى العلوم.

وأكَّد أنَّ السجان لا يريد للأسير أن يشعر أنَّه ملك إرادته وبعزيمته الكاملة، ويحاول استنهاضه من مربع النشاط إلى مربع الكسل والتهاون والانكسار، وأن يشعر الأسير أن للاحتلال اليد العليا وهو من يقرِّر المصير.

وبيَّن أنَّ هناك توازنًا في العلاقة مع الإدارة، ولكن وحدة وصمود جسم الأسرى أدى للتصدي لما تدبره إدارة السجون، فباب المواجهة مفتوح بين الفينة والأخرى، فتحدث مواجهات ومصادمات وتفاوض نضالي من خلال ترجيع الوجبات وخطوات أخرى تزعج الاحتلال.

وذكر أنَّ الأسرى بعضهم يعمل في مرافق الاعتقال لمساعدة اخوانهم، يبدأون الصباح بالرياضة، ثمَّ العودة للدراسة أو قراءة الصحف، ومتابعة كلّ شخص لالتزاماته بمواعيد جلسات أخويَّة تنظيميَّة، أو ثقافة عامَّة أو فنون مختلفة، ثمَّ تناول الإفطار، وممارسة أنشطة اجتماعية ومسابقات، وأحيانًا يتم الاحتقال بأسير قادم او أسير مغادر، ومتابعة التلفاز في الليل.

وأشار إلى أنَّ أكثر ما كان يؤلمه هو حرمانه من الزيارات مدة (13) عامًا، كانت قاسية عليه وعلى حياته وأولاده، لكنَّه تخطى هذه المرحلة بصموده في ظروفه الاستثنائية، بعد ملاحقته وإيذائه من إدارة السجن مع الأسرى، من خلال القمع والتفتيش المزعج والتنكيل بهم ومنع الزيارات.

وحول أوَّل لقاء مع زوجته بعد غياب دام (13) عامًا، قال: "كانت زيارة استثنائية، كنت غاية في الفرح والتأثير، كنت مشفقًا على زوجتي التي زارتنيآخر مرّة عام (2013)"، وكذا أطفالي".

وتحدَّثت زوجته أم حمزة الصفطاوي، عن أوّل لحظات غياب زوجها عن البيت قبل (18) عامًا، وقالت:" تجربة قاسيّة، كنا ننتظره على أحرّ من الجمر بعد قدومه من دبي، بعدما أبلغني بموعد وصوله، لكنَّه تأخر كثيرًا، وفي صباح اليوم التالي تلقيت اتصالًا من ضابط المخابرات الإسرائيلي يقول لي: زوجك عندنا، أوقفوا له محاميًا".

كانت هذه بداية الصدمة، انقلبت إثرها حياة أم حمزة رأسًا على عقب، دخلت بعدها في موجة بكاء شديد، ثمَّ أبلغت والدته وإخوانه وقيادة السلطة الفلسطينية، وصولاً للرئيس الراحل ياسر عرفات بالأمر.

ووصفت أم حمزة هذا اليوم بأصعب أيام حياتها، حاول فيه البعض طمأنتها بأنَّ الاعتقال قد يكون احترازيًّا ولفترة قصيرة أو إداريًّا، لكنَّ الغياب طال والحكم صدر.

بدأت أم حمزة بالتأقلم في وضعها الجديد، واحتضنت أطفالها لحظة إعتقال والدهم، ليخرج فيجدهم شبابًا، (13) عامًا منعت من زيارته، هي أيّام عصيبة بلا شك.

ووصفت اللقاء الأول معه داخل السجن بالحلم، مرَّ سريعًا مع أنَّ موعد الزيارة نصف ساعة، إلا أنَّها كانت سريعة كالبرق، غلب عليها الدمع والبكاء، شاهدت فيها تغير ملامحه وملامحها.

وأخيراً احتضنت أم حمزة زوجها بعد الإفراج عنه، لكن الأجمل ما فاجأها به بعد طول عذاب مع الاحتلال الذي أسر مع عماد هديته التي حملها من دبي لزوجته، هي عبارة عن هاتف خلوي من نوع نوكيا، ورغم أنواع الهواتف الكثيرة التي ظهرت في غيابه رأت أم حمزه هاتف النوكيا الهدية الأجمل.

وأضافت: "الهدية فأجئتني وتحمل معاني كثيرة، ولكن هو الهدية الاكبر".

أما ابنته سارة فوصفت حياتها في غياب والدها بالناقصة، بعدما سجن خلال فترة طفولتها ولم تره نهائيًّا إلا داخل السجن، لكنَّها الأن شابة في المرحلة الثانوية.

وأكَّدت سارة أنَّ الحياة عادت لها ولاسرتها، وأنَّ عام (2019) سيكون عامًا مميّزًا في حياتهم بوجود والدها بينهم، فقد عادت كلمة " بابا" لتحييهم من جديد.