النجاح الإخباري - سألني صديقي الطبيب ذو السمعة الطيبة قبل أسبوعين تقريباً لماذا لم تكتبي عن قانون الأخطاء الطبية؟ أجبته وبصراحة أنني لم أقرأ نص القانون بعد ولكنني أتابع الموضوع وأحاول جمع المعلومات لمحاولة استيعاب وجهات النظر المختلفة، فرد: "عليكي أن تكتبي يا دلال، فمن غير المعقول أن نصبح مجرمين بعد كل العناء والتعب والإخلاص"، أجبته ولماذا التجريم؟ أكد لي وباسم الأطباء من تخصصه أن القانون يُجرم الطبيب ويزج به في محكمة الجنايات ويسمح بإيقاف الطبيب خلال فترة التحقيق!

صراحة بعد الحوار الذي دار بيننا، أدركت خطورة الموضوع، ثم تكلمت مع أطباء آخرين أكدوا لي أن القانون لا يفرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية المقبولة دولياً وليست من مسؤولية الطبيب، وبعد الاستماع لآراء أطباء معارضين ومتابعة الإضرابات الطبية المتكررة، مرض أحد أفراد عائلتي وتوجهنا للمشفى لإجراء الفحوصات اللازمة وتفاجئنا برد الطبيب المناوب أنه مُضرب بقرار من النقابة ولا يستطيع تقديم الخدمة بسبب القانون!

بعدها تواصلت مع الدكتورة خيرية رصاص واستفسرت عّن سبب إقصاء نقابة الأطباء عن مسيرة صياغة ومناقشة القانون وما كان منها إلا أن أكدت لي أن النقابة كانت جزء من المسيرة منذ البداية وأنها فعلاً لا تستوعب سبب الرفض بهذه الطريقة، أخبرتها بملاحظات الأطباء اللذين تكلمت معهم بخصوص الفرق بين الخطأ والمضاعف وأبدت استغرابها وأكدت أن الحقوق محفوظة في الأنظمة واللوائح.

قرأت نص القانون بعد ان استمعت لوجهات النظر المختلفة واليوم أكتب أنني صراحة تفاجئت بعد القراءة:

أولاً: اسم القانون ليس قانون الأخطاء الطبية، بل قانون بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية. لماذا نترك كل ما هو إيجابي في الاسم ونستمر باستعمال عنوان الأخطاء؟!

ثانياً:بالرغم من أن المادة ٢٣ تجيز المسائلة التأديبية ولا تمنع المسؤولية الجزائية والمدنية بعد الخطأ الطبي إلا أن المادة ٢٤ لا تجيز توقيف الطبيب بجرم ارتكاب خطأ طبي خلال التحقيق إلا بعد صدور حكم قطعي من المحكمة المختصة وهذا ينفي ما تناوله كثيرون بخصوص تجريم الأطباء وتحويلهم لمحكمة الجنايات! إلا أنني أرى أننا بحاجة لرأي قانوني سديد ونهائي بخصوص موضوع التجريم لأن المادة ٢٣ تبدو مطاطة بعض الشيء وقابلة لتفسيرات مختلفة.

ثالثاً: القانون يُفرق بوضوح بين مفهوم الخطأ الطبي والمضاعفة الطبية، لا بل ويؤكد نص القانون على ضرورة حملات التوعية المجتمعية للتفريق بين الاثنين! إذاً النص القانوني مدرك لمستوى الوعي بهذا الخصوص وخاصة بعد ما تكرر مؤخراً من اعتداءات على الأطباء ومن تخريب وتكسير وإساءات لشخص الأطباء والتجريح بكفاءاتهم ومهاراتهم الطبية وبعد ما شهدناه من تطاول وعدم احترام لحرمة المؤسسات التي تقدم الخدمات الطبية والصحية، نرى أن القانون يحمي من جهة الطبيب من حيث التفريق بين الخطأ والمضاعف والمادة ٢٩ تحمي مُقدم الخدمة من التشهير والذم والقدح وتحظر استعمال الاسماء وتمنح حق المطالبة بالتعويض المالي ولكن القانون لا يتطرق للمواطن الذي يعتدي على شخص الطبيب او المؤسسة الطبية وكيفية محاكمته أو تأديبه بالشكل الكافي الذي يناسب الواقع الفلسطيني!

رابعاً: التأمين، حيث تلتزم كل المؤسسات العامة التي تقدم الخدمة الطبية أو الصحية بالتأمين ويُترك اختياري للعيادات الخاصة وهنا نرى ضرورة لمراجعة هذا البند حيث أن عجز بعض أصحاب المؤسسات الخاصة عن الالتزام بالتعويض لأسباب مادية سيخلق نوع جديد من الجرائم وردود أفعال نحن بالغنى عنها!

خامساً: بعد الاطلاع على رأي الهيئة المستقلة لحقوق الانسان وسؤال الدكتورة رصاص، اتضح لي أن ما يميز هذا القانون هو أن صياغته انبثقت عن لجنة شكلت من مجلس الوزراء وعدد من الجهات الطبية والصحية المختصة والجهات الحقوقية، بما فيهم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، نقابة الأطباء، ونقابات مهن طبية أخرى، والمجلس الطبي الفلسطيني ومعهد الصحة العامة، إضافة إلى الجهات الرسمية كوزارتي الصحة والعدل، والنيابة العامة، وهنا يبقى التساؤل لماذا تضرب النقابة الان وهي جزء من اللجنة؟ هل تتحقق مصلحة الأطباء بالاختلاف مع الحكومه؟! كيف تتحقق مصلحة الأطباء بإغلاق عياداتهم؟! نحن الشعب، يلزمنا تفسير منطقي لردة الفعل فكيف تشارك النقابة في وضع القانون و تعترض عليه لاحقا؟!

سادساً: للحصول على أفضل الخدمات الطبية، نحن لا نحتاج فقط لأطباء أكفاء ومخلصين لمهنهم، ففلسطين تمتلك العديد من الكفاءات القديرة ولكن المنظومة الصحية والطبية كاملة تحتاج للإرتقاء لضمان تكميل الخدمة بالطريقة الصحيحة وهنا مثلاً نتحدث عن الأجهزة المتوفرة في كل المؤسسات التي تقدم الخدمة وكيفية توزيع هذه الأجهزة والمعدات جغرافياً لارتفاع تكلفتها، صحيح أن الطبيب وحسب القانون لن يتحمل المسؤولية لعدم توفر بعض المعدات اللازمة في الحالات الحرجة التي لا تستحمل النقل ولكن ممكن أن يتعرض لهمجية الاعتداء من قبل أهالي المرضى كما شهدنا مؤخراً ولهذا مطلوب الاستثمار أكثر في القطاع الصحي بشكل عام وعلينا تخصيص ميزانية أكبر لهذا القطاع الخدماتي الأساسي للسنوات القادمة.

صراحة كإنسانة تتعرض للأمراض المختلفة، أجد نص القانون يحميني ويُلزم مقدم الخدمة سواء كان طبيب او صيدلاني أو مورد أو مساعد للقيام بأعمالهم على أكمل وجه وبمهنية لامكانية تعرضهم للمسائلة في حال لم يقدموا الخدمة بالطريقة المُثلى. القانون حاجة مُلحة ويعالج كثير من القضايا الجوهرية التي من شأنها توفير الحماية للمريض، ويوفر حسب رأي القانونيين في الهيئة المستقلة إجراءات منصفة للتحقيق في الأخطاء الطبية ومساءلة المسؤولين عنها، والأهم أن القانون يُشرك المؤسسات الطبية في المسؤولية بدلاً من تحميلها بالكامل إلى الطبيب والعاملين في المهن الطبية. بعد المتابعة والاطلاع، نجد أن هناك ضرورة لملاحق وبروتوكولات توضح بالتفصيل موضوع المضاعفات حتى لا يحصل لبس بينها وبين الأخطاء في التفسيرات وهنا نضمن الحماية لكل من مقدم ومتلقي الخدمة الطبية من خلال الأنظمة والتعليمات التي تضعها الوزارة والمُشرع لخدمة التطبيق العملي للقانون.

علينا أن نؤمن الان ومع هذا القانون ان من يخطيء سيحاسب، بعكس الوضع القائم، فجميعنا وبدون استثناءات يطالب بتحويلات للمستشفيات الإسرائيلية بحجة أن الخدمة أفضل ولعدم الثقة بالنظام القائم لحفظ سلامتنا وحقوقنا.

أتمنى من جميع القراء الْيَوْم أن يدركوا فائدة القانون بانه يعيد ثقة المواطن بالنظام الصحي الفلسطيني الذي سيحفظ حقوق المواطن سواء كان هو الطبيب أم المريض.