برهوم جراسي - النجاح الإخباري - استطلاعات الرأي الإسرائيلية ليست نزيهة، وهذا استنتاج ليس حديثا، فنتائج الاستطلاعات التي تنشر على الملأ، تغازل الجهة المبادرة والممولة لهذه الاستطلاعات. كما أن هناك معاهد لديها توجهات، وتهتم بنشر نتائج تتناغم مع مواقفها. ولكن كثرة هذه الاستطلاعات تختلق أيضا رأيا عاما؛ وتفرض أجواء سياسية تخدم هذا التوجه أو ذاك. ولكن ما نراه منذ أكثر من عام، هو شبه توافق بين كل هذه الاستطلاعات، على أن الحزب الأقدم، المؤسس للكيان الإسرائيلي، “العمل”، في طريقه إلى الزوال، أو في أحسن أحواله، سيكون حزبا على هامش التركيبة البرلمانية.

فحزب “العمل”، انفرد تقريبا في الحكم، في السنوات الـ 29 الأولى لإسرائيل. وهو من وضع وثبّت كل السياسات العنصرية الاقتلاعية، وقاد الحروب التوسعية، وهو الحزب الذي وضع كل “القوانين” التي هدفت إلى مصادرة الغالبية الساحقة جدا من أراضي فلسطينيي 48، وأراضي القرى المدمرة، وغيرها. ولذا فإن كل السياسات التي نراها في السنوات الأخيرة، زرع بذورها حزب “العمل”، بتسمياته المتعددة على مر السنين.

وقد ضعُف هذا الحزب من حيث التمثيل البرلماني، ابتداء من انتخابات 1996، التي جرت فيها أول انتخابات مباشرة لرئيس الحكومة، وهو النظام الذي انتهى بعد انتخابات 2001، التي كانت لرئاسة الحكومة وحدها. ففي البداية كان تراجعه بفعل هذا النظام الانتخابي، الذي تنازل فيه الحزبان الأكبران، “العمل” و”الليكود” عن أصوات للقائمة لصالح أحزاب صغيرة، لغرض حصول تأييدها للمرشح لرئاسة الحكومة.

ولكن بعد ذلك، فإن “العمل” بدأ يدفع ثمن تلعثمه السياسي، وتماشيه لليمين الاستيطاني. أضافة إلى هذا غياب القيادة التاريخية للحزب، دون أن يكون بديل لها، تحظى بنجومية سياسية شعبية؛ فمنذ العام 2001 وحتى الآن، كان للحزب 9 رؤساء، ولم يستطع أي منهم استعادة قوة الحزب البرلمانية السابقة، ولو جزئيا.

وفي انتخابات العام 2015، أقام الحزب تحالفا مع حزب “الحركة” بزعامة تسيبي ليفني، وأطلق عليه “المعسكر الصهيوني”، وحقق النتيجة الأعلى للحزب منذ انتخابات 2013، بحصوله على 24 مقعدا، منها 19 مقعدا لحزب “العمل”. أما الآن، فإن كل استطلاعات الرأي تتنبأ لهذا التحالف، حصوله على ما بين 7 مقاعد كأدنى نتيجة، إلى حوالي 14 مقعدا، كنتيجة أعلى، وهي ليست كلها لحزب “العمل”.

إلا أن الحزب لم يستثمر هذه القفزة النسبية في التمثيل، ولم يطرح بديلا لأجندة حكومة اليمين الاستيطاني بزعامة بنيامين نتنياهو. وفي مراجعة لأداء الحزب في عملية سن القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، نجد أن معارضته كانت ضعيفة، بين التغيب عن جلسات التصويت، أو تأييد هذه القوانين، فمعارضته الفعلية لها كانت أقل من 40 %.

وبالإمكان القول، إن الغالبية الكبيرة من الأحزاب التي ظهرت فجأة، في العقود الثلاثة الأخيرة، وزالت، أو ما تزال، حصلت على غالبية تمثيلها من معاقل حزب “العمل”، وخاصة في منطقة تل أبيب الكبرى. وهذا الحال مستمر، ويظهر جليا في استطلاعات الرأي. ومثال على هذا، هي القوة التي يحصل على الحزب الجديد الذي أقامه رئيس أركان جيش الاحتلال السابق بيني غانتس، ما بين 13 إلى 16 مقعدا، مقابل انهيار تمثيل “المعسكر الصهيوني” بأكثر من نصف مقاعده.

هذا لا يعني أنه كان أمل ما من هذا الحزب الصهيوني، في قيادة بديلة لما نراه حاليا. بل إنه اثبات على التطرف المتزايد لدى الجمهور الإسرائيلي، الذي يختار أكثر فأكثر، الأحزاب ذات الخطاب الأشد تطرفا، في حين أن قسما من الجمهور، الذي بالإمكان القول إن لديه تطلعات “سلامية” نسبيا، يئس من حالة السياسة الإسرائيلية، ولا يتجه إلى صناديق الاقتراع، لأنه لا يرى عنوانا له.

من السابق لأوانه حسم تركيبة البرلمان الإسرائيلي المقبلة، ولكن ما هو واضح حتى الآن، أن البرلمان سيكون أكثر تشرذما، ما سيقود الى أزمات أكثر، لدى تشكيل الحكومة، ومستقبلا خلال سير عملها.

....عن "الغد" الأردنية