الحليل - احمد زماعرة - النجاح الإخباري - تمتاز كل مدينة فلسطينية بصبغة معينة تميزها عن باقي المدن، وتصنع لنفسها خصوصية بصناعات ومزروعات وتجارة وعادات وتقاليد عند ذكر أي منها يتسلل لذهنك اسم المدينة التي تشتهر بها، ولمدينة الخليل العديد من الصناعات التي ارتبطت بها ارتباطا تاريخيا عبر مئات السنين، ولازالت تحافظ عليها حتى يومنا هذا.

صناعة "الزجاج والخزف" من الصناعات التي ضربت جذورها في مدينة الخليل منذ 500 عام وأكثر إبان الحكم الروماني في فلسطين، وحافظ على طريقة صناعته بالطرق اليدوية التقليدية إلى حاضرنا، ولم يلقِ بظلاله التطور التكنولوجي الذي نشهده على تلك الصناعة، فالفرن الحراري والمواد الخام وبعد المعدات البسيطة المساعدة في عملية تصنيعه مازالت حاضرة ولم يتم إدخال أي آلات أو ماكينات في عملية تصنيع الخزف والزجاج.

صناعة "الزجاج والخزف" في مدينة الخليل تشكل مصدر رزق ومشروع اقتصادي يعيل العديد من العلائلات، حتى أصبحت مرثة يرثها الأبناء من آبائها، ويحافظون عليها جيلا بعد جيل، يتعلمونها منذ صغرهم، ويبدعون في صناعتها ورسمها وزخرفتها في كبرهم.

فوزي النتشة مالك مصنع السلام للزجاج والخرف اعتبر في حديث لـ"النجاح الإخباري" أن صناعة الزجاج والخزف من المهن والصناعات القديمة جدا التي وجدت في مدينة الخليل، واستمر الحفاظ عليها رغم كل المعيقات الاقتصادي والظروف التي مرت عليها فلسطين خلال خمسة قرون من الزمن، ومهنة تاريخية تتوارث من جيل لجيل ولم تمحُها كل الحقب الزمنية.

ولم يخفِ النتشة خلال حديثه لـ"النجاح الإخباري" متاعب صناعة الزجاج والخزف وخصوصا العمل لساعات طويلة أمام فرن تصل فيه درجات الحرارة إلى درجة الانصهار، وانبعاث الحرارة للحرفي والفني الذي يعمل في هذا المجال، بالإضافة لتعلم كافة دروب وآليات هذه الصناعة قد يحتاج لوقت ليس بالسهل، كذلك تحتاج لإطلاق العنان للإبداع والابتكار في تصنيع القطع وكذلك الرسم وتلوينها بشكل إبداعي يجذب الزوار لشرائها.

"الزجاج والخزف" سفير للتراث 

لم تقتصر عملية المحافظة على الهوية الفلسطينية التراثية من خلال تصنيع "الزجاج والخزف"  في الأسواق المحلية، بل وضع موطأ قدم له في الأسواق العربية والعالمية، وأبرز صبغة التراث الفلسطيني، وإبداع الفلسطيني في الصناعات الخزفية.

وحول ذلك قال النتشة:" الخزف والزجاج يجوب الأسواق العربية والدولية، من خلال تصديرها إليها، وتشهد إقبالا كبيرا، ولمسنا حركة شرائية عليها، ومختوم صنع في فلسطين، ومن وجهة نظري أعتبر أن بيع الزجاج والخزف في الأسواق الخارجية أقوى من السوق المحلي."

وناشد النتشة المؤسسات ذات العلاقة بتقديم المزيد من الدعم والتسهيلات حتى يتمكنوا من تصدير كميات أكبر إلى الأسواق الخارجية، وأن يقفوا إلى جانب التجار وأصحاب المصانع للاستمرار في تصديرها بشكل مستمر، حتى تحد من الخسائر التي يتكبدوها، وتوسيع عمليات التصنيع وتطويرها بشكل أكبر، لرفد الاقتصاد الوطني.

حركة سياحية خجولة

وأوضح فوزي النتشة أن الحركة السياحية الوافدة لمحافظة الخليل، وتحديدا لمعارض الزجاج والخزف دون المستوى، ولا تلبي طموحات التجار وأصحاب المصانع، وتصل في بعض الأحيان إلى شبه معدومة، ما يهدد مستقبل هذه الإرث التاريخي للخليل، ويجعل أصحاب المصانع يفكرون في إغلاق مصدر رزقهم التي أصبحت مصدر عبء عليهم.

وتابع:" نتكبد خسائر شبه يومية بسبب استيراد بعض المواد الخاصة بتصنيع الخزف من اسبانيا، وأجور العاملين والتكاليف التشغيلية، وعند البيع وجني الربح نجد البضائع مكدسه على رفوف المعارض، ونحتاج لتوجيه الحركة السياحية من جهات الاختصاص تجاه مدينة الخليل، لنفض الغبار عن البضائع.

ودقّ النتشة ناقوس الخطر الذي يهدد استمرار هذه الصناعة، في حال استمرت حالة الكساد الذي يكتنف صناعة الزجاج والخزف، مطالبا بوقفة جادة من كافة الأطراف لبث روح الحياة في هذه الصناعة التقيليدية التراثية، ومد يد العون لأصحاب هذه الصناعة للاستمرار في تصنيعها وتطويرها أكثر فأكثر.