منيب رشيد المصري - النجاح الإخباري - من البديهي القول إن الصراع من أجل إنهاء الإحتلال بحاجة إلى تماسك داخلي وتحالفات عربية وإقليمية ودولية، وهي لا تأتي إلا من خلال جهد منظم ومستمر تقوم عليه خيرة العقول وتُجند له كافة المقدرات المالية والبشرية اللازمة، وبخاصة أن عدونا يعمل ومنذ العام 1800 وفق خطة تهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني وإقامة الدولة "اليهودية" من النيل إلى الفرات، معتمدا في ذلك على الدعم الذي يوفر له من قوى عالمية أساسا، هذا الدعم الذي لا يأتي من فراغ بل مستندا إلى معتقدات دينية وتحالفات اقتصادية وسياسية، نسجتها الحركة الصهيونية لخدمة هدفها في السيطرة الفعلية على ما تدعي أنه حق إلاهي.

بعد أن أفُلَ نجم بريطانيا العظمى التي أهدت للحركة الصهيونية أرض فلسطين التاريخية عَبر وعدها المشؤوم "وعد بلفور"، اتجهت الحركة الصهيونية نحو الولايات المتحدة الأمريكية للإستفادة القصوى مما تمتلكه من قوة وقرار على العالم أجمع تقريبا، وعملت ومن ومنذ البداية على استمالة الإدارات الأمريكية المتعاقبة إما بالترغيب أو الترهيب، وأستطاعت أن تسيطر على مفاصل الحكم في امريكا وبخاصة الكونغرس الامريكي بشقيه، مما يعزز سيطرتها على القضاء، حيث يحق للرئيس تعيين القضاة الفدراليين مما يمكنها من استكمال السيطرة على مكامن القرار وتمرير سياساتها المتعلقة بتجسيد هدفها في تأسيس "دولتها" من النيل إلى الفرات، وهذا يتطلب أولا كسر إرادة الشعب الفلسطيني تمهيدا للقضاء على حقوقه المشروعة والبدء فعليا بقضم باقي الدول العربية وما الربيع العربي إلا جزء من هذا المخطط، وصفقة القرن هي أولى ما يوجد في جعبة الحركة الصهيونية والداعمين لها من المسيحيين الجدد وغيرهم.

في ظل هذه التركيبة ماذا يمكن لنا كفلسطينيين أن نعمل، ونحن جميعنا نعلم بأن عدالة القضية وقوة الحق وحدها لا تكفي في ظل هكذا عالم ينظر إلى مصالحه السياسية والاقتصادية أولا وأخيرا، ومخترقا من قبل الصهيونية العالمية والصهيونية المسيحية واصدقائهم؟ ولكن وفي ذات الوقت هذا العالم تحكَمه قوانين ومعاهدات دولية وبعضا من الاخلاق وبخاصة إذا ما تعلق الأمر بحق تقرير المصير الذي نصت عليه الشرعية الدولية، وهو بحاجة إلى قوة ومهارة أصحابه المطالبين به كيف لهم فعل ذلك.

أعتقد بأن أوروبا وبخاصة فرنسا ومن خلال موقعها المميز في الاتحاد الأوروبي، وفي تأثيرها على العديد من دول العالم، في افريقيا، وفي أمريكا اللاتينية، وأيضا علاقاتها مع روسيا الاتحادية ومع جمهورية الصين الشعبية التي لنا معها علاقات صداقة تاريخية، يؤهلها لأن تكون لاعبا مهما في إعادة تحريك مبادرة فرنسية جديدة، تقود إلى إنهاء الاحتلال وتجسيد حل الدولتين، من خلال تحشيد الدعم العالمي لهذه المبادرة المفترضة، التي لها أيضا أن تقف في وجه "صفقة القرن" المنحازة تماما لدولة الاحتلال لا بل هي تُعمق وتساند الاحتلال وتخلده، فما رأيناه لغاية الآن من صفقة القرن هو الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارتها إليها، واغلاق بعثة منظمة التحرير في واشنطن، وتجميد دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، كبداية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إخراج القدس، واسقاط حق العودة من أية مفاوضات قادمة، وهذا لن ينهي الصراع بل سيقود إلى مزيد من التوتر وانعدام الأمن في المنطقة والاقليم والعالم بشكل عام.

الدور الفرنسي مطلوب، بحكم التاريخ والجغرافيا، بعد أن أثبت الرئيس ماكرون بأنه قادر على الفعل وراغب في بناء عالم قائم على أساس العدل والتعاون المشترك في سبيل ارساء قواعد الأمن الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية والرخاء على أساس أن الجميع شركاء في انقاذ البشرية، ولا شك بأن هذا التوجه يلتقي مع ما تسعى إليه قوى عظمى في العالم مثل الصين وروسيا، وعلينا نحن كفلسطينيين أن نستثمر علاقاتنا الخارجية من أجل تجنيد الدعم القانوني والسياسي لإنهاء الاحتلال، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال تمتين وضعنا الداخلي وإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية (حكومة انقاذ وطني) والبدء الفعلي بدمقرطة الحالة الفلسطينية وبتجديد الشرعيات عبر صناديق الاقتراع، والاتفاق حول منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لأن نتائج الانتخابات الأمريكية (التي تابعتها حتى ساعات الصباح الأولى) تؤشر بأنه لا يوجد أي تغييرات قادمة على شكل وسياسات الإدارة الامريكية، وأنه على الأغلب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة سيفوز الرئيس الحالي ترامب الذي من المؤكد أن يستمر على نفس الوتيرة الحالية، لذلك علينا أن نعمل على تمتين وضعنا الداخلي وبناء تحالفاتنا مع الأصدقاء في كل دول العالم حتى نتمكن من الوقوف في وجه ما هو قادم.

عن القدس الفلسطينية