عمان - النجاح الإخباري - اطلق الكاتب الاردني حلمي الاسمر كتابه "المُباحية الشرعية ” نظرات في الحرمان العاطفي والشقاء الجنسي ”في بيت الثقافة والفنون الليلة الماضية.

"اثنتان وسبعون من الحور العين، ينتظرن الشهيد في الجنة، هذا الضخ "الفقهي" المكثف في ذهن شاب مكبوت في مقتبل عمره، لم يجد "الباءة" الكافية للزواج، يكفي ضمن سياقات خاصة مرافقة، سياسية واقتصادية، للتمنطق بحزام ناسف، وتفجير النفس لقتل أكبر عدد ممكن من "الكفار"!  

بهذه البداية الصادمة افتتح الكاتب الصحفي حلمي الأسمر كتابه "المباحية الشرعية- نظرات في الحرمان العاطفي والشقاء الجنسي"، الصادر مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان.

عنوان الكتاب كما افتتاحيته، يبدو صادما للوهلة الأولى، كونه -كما يمكن أن يظن القارئ- يجمع نقيضين، وهما الإباحية، والشرع (الإسلام)، ولكن سرعان ما يزول هذا الاستغراب، بعد قراءة هذا الكتاب، واتضاح كنهه، فهدف المؤلف من وراء هذا الكتاب فك "شيفرة" مشكلة مستعصية في المجتمع الشرقي عموماً، والمسلم على وجه الخصوص، وهي مشكلة "الشقاء الجنسي"، الذي يقف عائقا أمام شبابنا للاستمتاع بحياة سعيدة، والانطلاق بفاعلية لبناء مجتمعاتنا، ومعالجة الخراب الذي ضرب مظاهر الحياة كلها، اقتصاديا أو سياسيا، أو عسكريا.

قبل بدء المؤلف في عرض مقالاته واستخلاصاته المعتمدة على المصادر الموثوقة في الكتاب والسنة، والإرث الثري للصحابة الكرام، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم، وكبار علماء الأمة على مدار تاريخها الطويل، يعتذر من كل من صدمه العنوان، مؤكدا أن إسلامنا العظيم منزّه عن كل سوء، وهو مصدر اعتزازنا وفخرنا، لكن هذا الربط جاء عنده لإيصال معنى معين، لا مندوحة منه ولا مناص.

"الـمُباحِيَّة" اصطلاح جديد، غير موجود في القاموس العربي، وقد استعمله المؤلف في عنوان كتابه بديلا للفظ الإباحية؛ وذلك ليفرّق بينه وبين الإباحية، بوصفها مصطلحا يمكن أن تنفر منه النفس؛ للدلالة التي يحملها، وقد اشتق عنوانه من الإباحة التي تعني في الفقه حكم يقتضي التخيير بين الفعل والترك، أو إجازة الفعل بدون إثم.

رغم أن الخوض في ملف الحياة الجنسية في الشرق محفوف بالمخاطر، ويشبه في أحسن حالاته المشي في حقل من الألغام؛ لأن ظلال هذا الاصطلاح مشوبة بالسرية والتحفّظ والخطيئة والكبت والمحرّم، إلّا أن المؤلف تجرّأ في البحث فيه، وفي خوض غماره، ورأى أن نتسامح أكثر مع الثقافة الجنسية، شأنها شأن أي ثقافة صحية، في قالب نظيف من الأخلاق والأدب الرفيع الذي علمنا إياه نبينا محمد (ص)، ومن تبعه من الصحابة والتابعين والعلماء.

تعرّض الكاتب في هذا الكتاب إلى مشكلات اجتماعية كثيرة تعاني منها مجتمعاتنا العربية والمسلمة تخصّ علاقة الرجل بالمرأة، وتغوص في تفاصيلها من أهمها: التحرّش، والعنوسة، واغتصاب الزوجات، وإشكالية التعدّد، والطلاق العاطفي، وفتور العلاقة والعاطفة بين الزوجين، وازدياد الخلافات بينهما وربما القطيعة والطلاق، وجرائم الشرف، والثأر للشرف، وظهور أنواع وأشكال جديدة للزواج مثل المسيار والمصياف والوناسة والمؤقت، فضلاً عن زواج المتعة، وغيرها مما يصعب حصره.

ورأى أن هذه المشكلات كلها متداخلة ومتشابكة ويؤدي بعضها إلى بعض في الغالب، ومهما حاولنا السعي لعلاجها، فستبقى معالجات وقتية لن تجتث المشكلة من جذرها؛ لأن أصل هذه المشكلات كلها وسببها الرئيس هو "الحرمان العاطفي" الذي تعاني منه مجتمعاتنا، وما يتبعه من "شقاء جنسي".

فالحرمان العاطفي وما يتبعه من "شقاء جنسي" يمنعان الإنسان عن المضي في حياته بشكل سليم، ويشغلانه بالبحث عن وسائل لإشباع هذه الحاجات الضرورية الأساسية الفطرية، وهي في أدنى هرم الحاجات، وما لم تُشبع هذه الحاجات فإن الفرد لا يستطيع أن يرتقي إلى أعلى منها إلا بشكل مشوّه قاصر وربما فاسد، ولن يؤدي دوره المنشود بوصفه فردا صالحا منتجا مبدعا من أفراد المجتمع؛ ولذا لا نعجب من تخلّف مجتمعاتنا وفشلها في محاولات ومشاريع الإصلاح والتطوير وفي جميع المجالات.

ويرى المؤلف أننا لا نتغلب على هذه المشكلات المستحدثة في حياتنا، التي لم تكن تعاني منها المجتمعات في العصور الإسلامية الأولى؛ نتيجة فهمهم الدين وتعاليمه بشكل صحيح، إلّا بالتخلص من أصفاد وأغلال العادات والتقاليد البالية، التي لا تمتّ للدين بصلة، والتحرّر في أنماط التفكير، والرجوع إلى فطرة الإنسان، وأصول الدين ونقائه قبل غلبة أصحاب الأهواء والضلالات، وسطوة من قدّموا العادات على الدين، بعدّها ديناً لا يجوز مخالفته والتطاول عليه.

وإذا استطعنا تحقيق ذلك -كما يرى الكاتب- نصبح قادرين على المضي قدما في إعمار الأرض، مسهمين في نهضتها، وتطوّرها، ناشرين الضياء والعدل والسعادة والسلام، محققين الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها. (الغد)