غزة - النجاح الإخباري - مرة أخرى تعود اسرائيل للتبشير بقانون آثار قدراً من الجدل حول نيتها اقرار وتشريع قانون اعدام فلسطينيين أدينوا بقتل اسرائيليين في عمليات فدائية ليس معنى ذلك أن اسرائيل التي تمارس كل هذا القتل خارج القانون على أنها دولة حقوق انسان وكل شيء فيها يسير وفقاً للمعايير الدولية فهي لم تتوقف عن القتل منذ سبعة عقود بل أنها بدأت أساساً مشروعها بالدم وما كشفته أبحاث بعض المؤرخين الجدد منتصف التسعينات ومنهم بني موريس الذي كشف مذبحة الطنطورة قبل أن يتراجع عن اعترافات كلها تقول أن الشيء الأسهل لدى اسرائيل هو قتل الفلسطينيين.

 لكن كانت تمارس هذا القتل خارج القانون ولم تكن تقبل أن تعرف نفسها أنها تفعل ذلك بل أحياناً عندما كان ينكشف أمراً مخجلاً كانت تشكل لجنة تحقيق كأن الأمر يشكل عاراً لها هكذا فعلت عندما حاكمت المقدم الذي أشرف على مذبحة كفر قاسم وغرمته بقرش أصبح أشهر قرشاً في التاريخ "قرش شدمي".

        لكنها كانت تقدم نفسها باعتبارها جزء من العالم الحر،  جزء من الثقافة والحضارة الأوروبية التي تحترم حياة البشر،  هذا على الأقل بالظاهر،  لقد حكمت اسرائيل حكومات علمانية كانت أكثر ذكاء في تقديم صورة اسرائيل أمام العالم أما الآن بات واضحاً وهذا هو الأمر الأهم أن الحكومات التي باتت تحكم اسرائيل بعد أفول العلمانية فيها وتسيّد اليمين الى غير رجعة أنه لم يعد يهمها ماذا يقول العالم ولم يعد يهمها سوى الشأن الداخلي وهذا ما ينطبق على تنصلها من حل الدولتين وتسارع الاستيطان والذي تعارضه معظم دول العالم بل أن هناك نصوصاً قاطعة في القانون الدولي تعتبر الاستيطان جريمة حرب.

        لقد قطعت اسرائيل شوطا  بقانون الاعدام وتمت المصادقة عليه بالقراءتين الأولى والثانية وبقيت فقط  الثالثة وفقاً للقانون الاسرائيلي ليصبح ساري المفعول وتبدأ المحاكم الاسرائيلية والنيابة بالتعاطي معه،  لقد توقف القانون قبل أشهر عندما أوقفه رئيس الحكومة لاعتبارات دولية تتعلق بتجسيد صورة اسرائيل أمام العالم لكن يبدو أن رياح الانتخابات التي بدأت نذرها ومزاودة اليمين الثنائي ليبرمان بينيت انتزع موافقة من نتنياهو موافقة الدفع بالقانون نحو المصادقة النهائية.

        أزمة اسرائيل أنها تعتقد بقناعة مطلقة أن ما لم يحل بالقوة يمكن حله بمزيد من القوة واذا كانت اسرائيل السابقة وجنرالاتها العلمانيين كانوا يحملون هذه القناعات فان اسرائيل الحالية التي انزاحت بكليتها نحو اليمين القومي والديني والتي تستمد علاقتها بالآخر الفلسطيني من مرجعيات دينية مليئة بالصراع مع الفلسطينيين بدء من دخول يهوشع بن نون أريحا وحرقها وانتهاء بكل المغامرات وعزل شاؤول عن العرش لأنه كان ليناً مع الفلسطينيين وتنصيب داوود مكانه كلها مادة تحريض على الفلسطيني.

        أمام هذا الواقع الذي ابتعدت فيه كل آمال حل الصراع مع الفلسطينيين بل أن الأمر يذهب باتجاه أجواء مختلفة من الكراهية والعنف والقتل والاعدام فان في ذلك ما يستدعي تفكير مختلف بكيفية المواجهة وتغيير السياسة الفلسطينية التي اتبعت منذ ربع قرن أو ادخال تعديلات تتناسب مع المستجدات والانزياحات التي تحدث في اسرائيل وهي انزياحات شبهها نائب رئيس الأركان الاسرائيلي يائير غولان قبل أكثر من عامين بأن الأجواء التي تسود في اسرائيل تشبه أجواء ألمانيا مطلع ثلاثينيات القرن الماضي أي بداية صعود الفاشية في ألمانيا.

        تلك الأجواء شديدة الوضوح والتي لم نقف أمامها ولم نفكر فيها تعكس نفسها ثقافة وممارسات على جلد الفلسطيني يدفع ثمنها من أرضه ودماء أبنائه والأخطر من مستقبله ومشروعه الوطني الآخذ بالتآكل طردياً مع صعود اليمين في اسرائيل وبالتالي نحن أمام مستقبل أكثر خطورة مما نعتقد والغريب أن دوائر صنع القرار والسياسات في فلسطين لا تبدو أنها تأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار.

        من يتابع سياق تطور اسرائيل منذ الثمانينات كان يعرف انحدارها نحو حكم اليمين وأن يسارها يسير نحو حتفه لقد كانت مراهنة بأن حكم اليمين سيعمل على كشف اسرائيل وخلخلة علاقتها بالعالم ،  لقد وصل اليمين لكن الغطاء الأميركي أبقى اسرائيل بقوتها وتلك معضلة لم نكن نتوقعها فالعالم فقد معاييره الأخلاقية وتلك أيضاً لم نحسبها بأن اعتباراته مصلحية وأمام تردي مستوى الأخلاق في اسرائيل نحن أيضاً  لم نقدم النموذج هل نعرف هذا ؟؟