الدكتور ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - استاذ علوم سياسية-غزة

في أدبيات الإعتراف الدولي يأخذ الإعتراف شكلين المباشر والضمني، أما الإعتراف المباشر فإن له أيضا شكلان الأول بتبادل العلاقات الدبلوماسية، وبصدور بيان حكومي بالإعتراف بالدولة الأخرى. والإعتراف يكون دائما متبادلا، أما الضمني فقد يكون على شكل تبني مسميات رسمية للدولة الأخرى كالقول رئيس الوزراء أو رئيس الدولة، وهذا في الغالب موجود وبشكل واسع. والشكل الأخير قد يكون موجوداً في حالة الإعتراف العربي بإسرائيل وحتى فلسطينيا.

والإعتراف عادة يكون بين دول مستقلة. وفي الحالة الفلسطينية الإسرائيلية فرضت طبيعة العلاقات، والإحتلال الإسرائيلي وعدم وجود دولة فلسطينية، أن يأخذ الإعتراف الشكل الصريح، ولكن من الجانب الفلسطيني اكثر منه من الجانب الإسرائيلي، فجاء الإعتراف في اعقاب توقيع إتفاقات أوسلو ببيان صريح وقاطع من قبل منظمة التحرير وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأعلى سلطة سياسية فلسطينية بإسرائيل كدولة، مقابل بيان إسرائيلي غير واضح بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.

وهنا لي أكثر من ملاحظة: الأولى أن الإعتراف وعلى غير المتعارف عليه لم يكن بين دولتين متساويتين من حيث السيادة، فالإعتراف جرى بين دولة قائمة وهي إسرائيل، وبين منظمة التحرير وهي كينونة سياسية لكنها ليست دولة، علما أن إسرائيل لم تعلن حدودها وهو ما يعني أولا التسليم بشرعية إسرائيل، كدولة، وأن حالة الاحتلال وكل ما يتعلق بالقضايا المكونة للقضية قابلة للتفاوض لكنها تخضع لإرادة إسرائيل.

وحيث ان المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فكأن الإعتراف هنا يمثل هذه الإرادة أي الشعبية، وهنا خطورة هذا الإعتراف، وكان الأجدر والأفضل أن يكون الإعتراف بين دولتين، اي إعتراف من قبل إسرائيل بالدولة الفلسطينية حتى لو كانت تحت الاحتلال.

والملاحظة الثانية أن الإعتراف تم ببيان سياسي، ومن ثم حقق الهدف والغاية منه. والثالثة أنه إذا أرادت المنظمة سحب الإعتراف فيكون هذا ببيان رسمي كما صدر. إلا أن صدور بيان رسمي بسحب الإعتراف يعني إلغاء أحد بنود إتفاق أوسلو ومن ثم إلغاء صريح لهذه الإتفاقات، رغم التصريح أنها لم تعد قائمة، وهذا لا يكفي.

ويفترض أن الشخصية الدولية لفلسطين قد إختلفت بالحصول على صفة دولة مراقب، وهو ما يعطي الحق للفلسطينيين بإلغاء إتفاقات أوسلو والمطالبة بمعاهدات جديدة على أساس الدولة، وأول شروط هذا التفاوض إعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وأنها مسؤولة عن إحتلالها للآراضي الفلسطينية أو أراضي الدولة الفلسطينية.

وحيث أن الدولة تعتبر أعلى المؤسسات السياسية، وتصبح عندها المنظمة أحد مؤسساتها أو منظماتها، لكن كل صلاحيات المنظمة تؤول للدولة الفلسطينية، وهو ما يستلزم بناء مؤسسات الدولة، وتحميل المجتمع الدولي أيضا مسؤولية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والتقدم إلى الأمم المتحدة بالعضوية الكاملة لفلسطين لكنها تحت الاحتلال.

هنا الأمر والعلاقة تختلف مع إسرائيل. وبالعودة لتعليق الإعتراف، فلا أعتقد وحسب فهمي أنه يوجد شيء إسمه تعليق الإعتراف، فهذا يعني تجميد الإعتراف لفترة مؤقتة، لكنه لا يلغي التداعيات والنتائج القانونية والسياسية التي ترتبت على الإعتراف الصريح والرسمي من قبل منظمة التحرير الفلسطينية.

والتعليق لن يترتب عليه أي تأثير على الأشكال الأخرى من العلاقات القائمة بالأمر الواقع الذي تفرضه الأرض والتداخل السكاني، وحالة السلطة الفلسطينية، فليكن معلوما أن السلطة لن تستطيع أداء وظائفها بدون أشكال التنسيق المتنوع مع إسرائيل، فالسلطة تعتمد إعتمادا كليا على إسرائيل في الكثير من المناحي.

وما يتعلق بالقول بوقف التنسيق الأمني فهذا له معنى عام وواسع وشامل، ويحمل مرونة كبيرة. ولا يمكن تصور وقفه بالكامل، لكن الأمر سيختلف لو أن هناك إعتراف على مستوى الدولة، عندها يمكن توقيع إتفاقات أمنية بين شخصيتين دوليتين متساويتين ولهما نفس الحقوق، وهنا أهمية الإعتراف على مستوى الدولة.

والملاحظة الأخرى أن تعليق الإعتراف لا يعني إلغاء الإعتراف أصلا، أو أن ذلك قد يؤثر على وضعية إسرائيل كدولة، وهذه حقيقة قائمة دوليا بل وإقليميا. والتعليق يرتبط بوقف التفاوض، فماذا لو إستؤنفت المفاوضات؟

وقد لا يحتاج التعليق إلى صدور بيان صريح، فمجرد قرار أو إعلان موقف بتعليق التفاوض، وهذا لا دلالة سياسية مهمة له، ولا تأثير.

وأخيرا قرار الإعتراف كان من أهم الأوراق التفاوضية بيد منظمة التحرير وقتها، ولم تحسن توظيفه. وأما إن تم الإعتراف فقد فقدت قيمتها وفاعليتها, ولم يبق أمام منظمة التحرير إلا الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية والمطالبة بالإعتراف المتبادل والتفاوض على أساس دولتين.

[email protected]

 عن القدس الفلسطينية