غزة -هاني أبو رزق - النجاح الإخباري - في بلد جعلته الأزمات والنكبات استثنائيًّا في كلِّ شي، من الطبيعي جدًا أن ترى شخصًا يأتي مع الغروب يزاحم الظل حاملًا كيسه ليجمع طعامًا لعائلته من مخلفات الباعة آخر النهار.

المسن (كامل، س) يجرُّ كلَّ يوم نفسه بخطىً متثاقلة، تجاه سوق الزاوية في غزة، رفيقه كيس يحمله بيديه الخشنتين، يحمل فيه ما يلقاه أمامه من بقايا طعام.

يتتبع أضواء السيارات المارة علَّه يرى حبة بندورة أو فاكهة يضعها في كيس ينتظره جياع، ينحني ببطئ مع تسارع أنفاسه فهو في الستين من عمره وله ثلاثة أبناء، عاش رحلة كفاح كلّها ضنك.

كان كامل  عاملًا بسيطًا داخل الخط الأخضر في مهنة البناء، حتى انقلبت حياته رأسًا على عقب قبل (15) عامًا، حيث تعطّل عن العمل، لينضم لصفوف الكادحين الذين ضاقت بهم الدنيا بما رحبت.

قسوة الحياة، والفقر، والعوز، والجوع، دفعت كامل لجمع مخلفات الفاكهة والخضراوات التي تسد رمق أطفاله وزوجته، بعد أن تستصلحها قدر الإمكان وتدخل الفرحة على أطفالها بوجبة اشتموا رائحتها فاشتهوها.

شبح الحصار الذي يلف غزّة فيحجب عنها نور الحياة، ويحرم أهلها أدنى حقوقهم بالعيش، وفي حديث مع كامل قال لمراسل "النجاح":"بفكروني بلمّ أكل للجاج، بس هدول هم أكلات اولادي".

وتابع: "عايش في بيت أجار بحي الزيتون، عندي مرض بالكلى، محتاج عملية وما معي تكاليفها، ضل نموت من الجوع؟ لا بجمع الي فيه نصيب وبسد جوع اولادي".

الغصة تعلو تجاعيد وجهه بعد أن نهشت حلقه فكاد يبكي، قال: "بنطلب الرحمة من الله، وبنتمنى يتحسن هالحال، غزَّة كلها موجوعة، الي مش جوعان، أو عريان، والي بنام بالشوارع، والي عاطل عن العمل، والي معاق، والي ما معه أجرة بيت ولا فيه حيل يناقش المالك، إلنا الله".

مرّت ساعتان والحاج كامل، يبحث وينحني، يمسك حبة يُقلّبها ثم يرميها، يتجوّل حتى يلمح ما قد يكون صالحًا للأكل، يغلق كيسه، ويمضي، على هذا الحال كلَّ يوم، يستصرخ الضمائر الحيّة، ولسان حاله يقول: "على الدنيا السلام".