د.مصطفى البرغوثي - النجاح الإخباري - القيم لا تباع ولا تشترى، فهي إما أن توجد أو لا توجد .

وإنهيار الشعوب والدول والأنظمة يبدأ دوما بإنهيار القيم، وهي عملية قد تبدأ بمقادير صغيرة، ولكنها تتفاقم وتتراكم ببطء، حتى تصل لحظة الإنهيار المريع .

ولا توجد في التاريخ حركة تحرر أو ثورة استطاعت أن تنتصر، إن لم تبدأ ببناء وتبني منظومة قيم راسخة مثل الوطنية، والإستعداد للتضحية، والإخلاص والصدق، والوفاء والإستقامة، والنزاهة.

وما من حركة فشلت ، إلا وترافق ذلك بتفشي أنماط النفاق، والوشاية، والخداع، والدسائس والرياء، والمعايير المزدوجة.

ولطالما ترافقت فترات المد الوطني الثوري بتعاظم قيم الوفاء، التضحية والعطاء، والتكافل والتضامن، وقد كان لدينا مثل ساطع على فترة كهذه في الإنتفاضة الشعبية الأولى التي يترحم الناس على أيامها، ويتمنون عودتها.

وما يقلقني هو السؤال الطبيعي، بأية قيم نربي أطفالنا وشبابنا وشاباتنا الصغار ؟ وما هي النماذج التي يقدمها المحيط الذي يعيشون فيه؟

هل يتربون على قيم إحترام زملائهم وزميلاتهم وإسنادهم عند الحاجة، أم يتربون على روح الأنانية والذاتية المفرطة، والوشاية بأصدقائهم، ومعلميهم، أو التربص لأخطائهم؟

هل يتعلمون أن يغفروا لأخطاء أخوتهم ويتعلموا معهم منها، أم يتخذون ذلك فرصة لنهشهم والإساءة لهم؟

هل يعلمهم المجتمع أن مصيرهم الشخصي مرتبط بمصير وطنهم ومجتمعهم، ام يلقنهم مقولة " المهم نفسي ومصالحي، ولو جاء بعدي الطوفان"؟

هل يتثقفوا بروح التفاني من أجل الآخرين ، أم يتعلموا أن أسلوب التقدم هو الوشاية بالآخرين، وإفتعال الأكاذيب للتحريض ضدهم ؟ و ما أسوأ حظ من يستكين لتخدير الوشاة والمنافقين!!!

هل نعلمهم الإخلاص للحقيقة والشجاعة والجرأة في الدفاع عنها، والبسالة في إنتقاد الأخطاء والممارسات الخاطئة

أم تتربى فيهم مشاعر الخنوع، والجبن، وأساليب النفاق والتزلف؟

ليس "الفيسبوك" ووسائل التواصل الإجتماعي خطرا لأنه يتيح حرية التعبير، بل لأنه يكشف مكنونات الصدور، ولأنه يعري ويفضح أحيانا ما يقوله بعض الناس في نميمتهم البعيدة عن الموضوعية، والعبيدة للمصالح الشخصية المتعارضة مع مبدأ أحترام القانون والنظام، الذي طالما كان يدعو له شيخنا الراحل حيدر عبد الشافي، ولأن "الفيسبوك" يتيح وسيلة لكل منافق أن يدلي بدلوه في نشر ما يعرف أنه كذب ومناف للحقيقة.

لن ننجح إن لم نحارب آفة الكذب، والخداع، والوشاية والنفاق، ولن ننتصر أن لم تُعزز قيم الجرأة والشجاعة والصدق، والتفاني، وإحترام حق الآخرين في الإختلاف بالرأي. ولن نتقدم ان كانت الغيرة والحسد لنجاحات المتفوقين هي المحرك للأفعال، والدسائس، للنيل من نجاحاتهم.

وما من شعب بحاجة للقيم اليوم مثل الشعب الفلسطيني .

عن القدس الفلسطينية