يحيى رباح - النجاح الإخباري - قال حمار الحكيم لصاحبه: أنا جاهل بسيط، لأني جاهل وأدرك أنني جاهل، أما أنت فجاهل مركب، لأنك جاهل ولا تعرف أنك كذلك.
ربما تنطبق هذه المقولة الفلسفية بشكل كبير على دونالد ترامب الرئيس الأميركي، لأنه يواصل فتح ملفات الفوضى، ويلجأ إلى أكبر قدر من الضجيج والفوضى، بهدف فرض آرائه الأحادية المحدودة الفهم، فيستنفر عداوات تشمل العالم كله، ومن ينظر إلى ملامحه وهو يأخذ هذه القرارات، يشعر على الفور أن ترامب لا يعرف عن قراراته الخائبة أي شيء، ولا يدرك أنه يمس بكرامة أميركا، وبدور أميركا، وبمصالح أميركا، ويجعل منها خصما وعدوا كاملا لكثير من أمم ودول العالم، وأكثر قرارات ترامب غباء وإشكالية هي المتعلقة بالصراع الأقدم والأعمق وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمفردات الرئيسية لهذا الصراع، مثل القدس، واللاجئين، والاحتلال والاستيطان والاستهتار بالقانون الدولي والإنساني، والعداء للأمم المتحدة التي أنتجها المجتمع الدولي، والعداوة المطلقة غير المبررة ضد الأونروا، واختزل قضية اللاجئين على قدر العقل المشوش لهذا الرئيس العجيب.
وكل ذلك خلق عند الرئيس ترامب نسقا من الأفعال والقرارات العدوانية، ابتداء من قرار إهداء القدس بجرة قلم إلى إسرائيل، ونقل سفارته كبؤرة استيطانية إليها لتكون مناسبة لحجم ديفيد فريدمان سمسار العقارات الذي يعيد إحياء نموذج "شايلوك" الذي أبدعه عملاق المسرح في العالم الإنجليزي وليم شكسبير، ومواصلة هذا النهج العدواني الأحمق بنفس النسق، مثل وقف المساعدات تجاه الشعب الفلسطيني، بما فيها المساعدات التي تخص مستشفيات القدس، وإغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهلم جرا.
كل واحد من هذه القرارات العدوانية يمس بأهلية ترامب نفسه، هل هو يعي الطبيعة الشاذة والشائنة لهذه القرارات؟ هل هو يدرك أن كل قرار منها يطعن بأهلية الإدارة الأميركية في القدرة على لعب الأدوار التي تريدها؟ وهل العالم الذي رفض هذه القرارات أو الذي غير راض عنها، إنما ينطلق من تجربة طويلة، ومن وعي عميق، ومن مصالح كبيرة مشتركة، ورؤى معتمدة لتقليل الأخطار التي تهدد أمن و سلام العالم، وليس مجرد نزوات عارضة!!!
وفي كل هذه الفوضى التي يثيرها ترامب لا يجد من يصفق له سوى نتنياهو، اليمين الإسرائيلي، وعدد لا يكاد يكون موجودا من الصغار التافهين، والأكثر خطورة، أن هذا الاضطراب العقلي عند ترامب، والاستهتار برؤى الآخرين ومصالحهم، يزيدان من التوغل في هذا المنهج العدواني، وحين يحاول ترامب أن يقول شيئا فإنه يواصل التخبط، ويضع الحصان أمام العربة، ثم يدعي أن الطريق سالك، مثل قوله إن إغلاق مقر منظمة التحرير في واشنطن لا يعني أن أميركا نفضت يدها من محاولات إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي!!! الجاهل المركب الذي لا يعرف أنه جاهل، ولكن الدول وخاصة الكبرى لا يقدر لها أن تستمر على أساس هذه المعادلة الحمقاء، ولذلك عندما ترتفع الأصوات أكثر في أميركا بأن ترامب غير مؤهل، وأن وجوده في البيت الأبيض من الأساس كان خطيئة الخطايا، فإن الأنظار والعقول تستنتج أن أميركا من دون ترامب أفضل ألف مرة، وهذا عمق إضافي للقضية الفلسطينية وشعبها و قيادتها الشرعية، بأنها الحاضر الكبير في وعي العالم.
[email protected]

عن الحياة الجديدة