مصطفى السعيد - النجاح الإخباري - تتجه الأنظار إلى شمال غرب سوريا ترقبا لانطلاق آخر وأخطر معارك الجيش السوري وحلفائه ضد الجماعات المسلحة في إدلب، والتي يصل عدد مسلحيها إلى نحو مائة ألف مقاتل، يتوزعون على نحو 50 تنظيما، وإن كان أبرزهم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وهيئة أحرار الشام الإخوانية، والتي سعت بمساعدة تركية إلى تشكيل ما يسمى الجبهة الوطنية للتحرير مع فصائل أخرى قريبة من الإخوان وتتلقى الدعم من تركيا وقطر، بالإضافة إلى الجيش الحر وبعض الجماعات الصغيرة.

مكمن القوة في الجماعات المسلحة في إدلب هو أنها تضم أكثر الفصائل تشددا، بعد انضمام كل من رفضوا التسوية وتسليم الأسلحة في المعارك السابقة، وجرى ترحيلهم إلى إدلب لتجنب سقوط الكثير من الضحايا بين المدنيين، فتحولت إدلب إلى خزان ضخم لبقايا الجماعات الأكثر تطرفا، لكن خروجها بالحافلات مهزومة ومنكسرة في معارك حلب والغوطتين وريفي حمص وحماة وحتى درعا يجعلها أقل ثقة في قدرتها على الصمود أمام جيش قوى أحكم قبضته على معظم أنحاء الدولة، بينما تعاني الجماعات المسلحة من تفشي الانقسامات، وانتشار عمليات الاغتيال والاختطاف. وظهر زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني ليحذر مقاتليه من نقاط المراقبة التركية، ملمحا إلى إنقلاب الموقف التركي، كما ألقت جبهة النصرة القبض على نحو 500 رجل بتهمة الترويج لإجراء مصالحات والاستسلام للجيش السوري.

السيناريو الأكثر ترجيحا لمجريات القتال هو أن تبدأ الطائرات الروسية والسورية هجمات مركزة على مواقع جبهة النصرة، وتدمير مراكز القيادة والسيطرة ومخازن الأسلحة، لتمهد للجيش السوري وحلفائه الزحف على مواقع جبهة النصرة، مع احتلال الهضاب المرتفعة والطرق الرئيسية لقطع أوصال الجماعات المسلحة، التي يتوقع انفراط عقدها، خصوصا أن معظم عمليات توحدها جاءت قسرية، واختلاف انتماءاتها الفكرية والعقائدية، وهو ما يسهل للجيش السوري تقسيم الجماعات والجبهات إلى ثلاثة أقسام رئيسية، الأولى تضم الجماعات الأكثر تشددا، وفي مقدمتها جبهة النصرة، التي ستتلقى أكبر كثافة نارية للقضاء عليها، والثانية يمكن أن تتولى تركيا تفكيكها والتوصل معها إلى تسوية، وهي الجماعات التي تضم المنتمين إلى جماعة الإخوان وحلفائها، والثالثة للجماعات المستعدة لعقد تسويات ومصالحات معها، وإعادة دمجها في الدولة السورية.

لكن الجيش السوري سيواجه مشكلة معقدة، وهي عدم قدرة الجماعات المهزومة على الانسحاب، فإدلب هي آخر المعاقل والمعارك، وعدم وجود مخرج للمنسحبين قد يدفعهم إلى القتال حتى الموت، وإلحاق خسائر بشرية ومادية ضخمة، ولا توجد دولة مستعدة لاستقبال تلك الأعداد الضخمة من المسلحين الخطرين، بما فيها الدول التي أتوا منها، ولهذا يمكن إجراء مفاوضات لتسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، ونقلهم إلى معازل قرب الحدود التركية، إلى حين التوصل إلى اتفاق مع تركيا حول مصيرهم. لا تكمن خطورة معركة إدلب في الأعداد الكبيرة من المقاتلين الأكثر تشددا، وإنما في احتدام الصراعات الإقليمية والدولية، فالولايات المتحدة لا تريد أن يحقق الجيش السوري وحلفاؤه انتصارا سهلا يعزز السلطة السورية والوجود الروسي والإيراني، لهذا جاء تحذير جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي من استخدام أسلحة كيمياوية أو بيولوجية في معركة إدلب، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستضرب بقوة شديدة عند استخدامها، وأعلنت بريطانيا وفرنسا دعم موقف بولتون، وهو ما يعني أن الدول الثلاث مستعدة للمشاركة في ضربات صاروخية ضد الجيش السوري خلال معركة إدلب.

ويزيد من تعقيدات الأزمة احتدام الخلافات التركية الأمريكية، والتي كانت الأزمة السورية أهم أسباب تفجرها، بعد اتفاق تركيا المنفرد مع كل من روسيا وإيران على احتكار المفاوضات المتعلقة بحل الأزمة السورية، وإقصاء الولايات المتحدة منها، وهو ما سيدفع الرئيس الأمريكي ترامب المهدد بالعزل إلى محاولة استغلال معركة إدلب في إثبات قوة بلاده وقدرتها على تلبية بعض مطالبها، خصوصا أن انتهاء معركة إدلب سيفتح ملف خروج القوات الأمريكية من شرق الفرات، لتفقد الولايات المتحدة آخر أوراقها في سوريا، وتقلص الطموح الأمريكي إلى حد المطالبة بخروج القوات الإيرانية مقابل سحب القوات الأمريكية من سوريا، ولهذا لن تدع الولايات المتحدة وحلفاؤها خصومها يتقدمون ويحققون انتصارا كاملا، وإن كانت لا تنوي التورط في مجابهة على الأرض فيمكنها توجيه ضربات من الجو والبحر بزعم استخدام أسلحة كيمياوية، وهو السيناريو الأكثر احتمالا في ظل تحرك جماعة الخوذات البيضاء التي سبق لها إنتاج مشاهد عن استخدام أسلحة كيمياوية في المعارك السابقة، والتى اعتمدت عليها الولايات المتحدة في تبرير توجيه ضربات إلى الجيش السوري، وعقد اجتماعات لمجلس الأمن تدين سوريا وحلفاءها، لتمارس ضغوطا سياسية وإعلامية تحقق لها بعض المكاسب في حرب تضع أوزارها، ولا تريد لخصومها أن يجنوا حصادها على حساب نفوذ ومصالح الولايات المتحدة.

عن القدس الفلسطينية