النائب حنين زعبي - النجاح الإخباري - حددنا في لجنة المتابعة، الجسم السياسي التمثيلي الأعلى للفلسطينيين في الداخل، والمرجعية الفلسطينية الأعلى حتى الآن لنا، هدف النضال ضد "قانون القومية"، بهدف "إسقاط القانون". تم ذلك كأمر تلقائي، ومفروغ منه ولا يتطلب تفكيرا. وتم تقليص سؤال "ما العمل" التاريخي، ليحمل فقط مفهوم الخطوات العينية العملية، دون أن يشير إلى أن المطلوب أيضا هو تحديد طبيعة المرحلة أو المعنى السياسي الشامل للتحدي المطروح أمامنا. وقمنا بناء على ذلك، بتحديد النشاطات والاحتجاجات المختلفة التي تهدف إلى "إسقاط القانون".

وربما كانت الخشية من الحاجة للمراجعة السياسية العميقة، التي يفرضها علينا "قانون القومية"، هي السبب في الصعوبة التي نواجهها في "المتابعة" لخوض هذا النقاش، وهي السبب في التعامل مع "قانون القومية" كنص، وليس كمفاهيم سياسية أو كتحد يتطلب مشروعا مواجها. إضافة إلى سبب آخر، هو تقليد العمل في "المتابعة"، الذي هو أقرب إلى الإجرائي والعملي، في توتر واضح مع مفهومها كأهم منبر للتمثيل السياسي الفلسطيني في الداخل، بما يعنيه هذا المفهوم، من أن وجودنا كأحزاب لا يغني عن الحاجة للوصول لإجماع سياسي صلب في الأمور التي تتعلق في جوهر الصراع.

مع ذلك، من الصعب- مع أن ذلك يبدو ممكنا- الهروب من حقيقة أن "قانون القومية" يوفر لنا هذه الفرصة في مراجعة طبيعة التحدي والمواجهة المطلوبة، بل يكاد يحرجنا في طرح هذه الفرصة أمامنا كقيادات سياسية، وفي جعل تهربنا منها أمرا يحتاج لتفسير. ومن الصعب الهروب من الحاجة للتفسير أننا نستمر في مواجهة تغول المشروع التطهيري وتجذره، بنفس الأدوات التي اعتمدناها حتى الآن، والخطاب السياسي هو أحد أهم هذه الأدوات. هذه الصفعة الوجدانية قبل أن تكون قانونية وقبل أن تكون سياسية، تحمل معنى غاية في القسوة، أن "شيئا ما"، فينا أو في الآخر، أو في اثنيهما، جعل سبعين عاما، من عدم التسليم مع الأمر الواقع، أمرا غير كاف لكي "يفهم" هذا الإسرائيلي أن هذا وطننا، وأن لنا فيه لغة وتاريخا وحضارة وصراعات شكلت هويتنا.

وإذا كنا نتفق أننا لسنا أمام قانون دستوري فقط، ولسنا فقط أمام أسطورة أو هندسة تاريخية ما، بل نحن أمام مشروع سياسي بنيوي، ذي بعد نفسي عميق، يريد بكل الطرق أن يفرض نفسه في الوعي وفي الوجدان وفي الأخلاق وفي الواقع، فعلينا نحن أيضا أن نقدم إجابة بنيوية وأخلاقية شاملة لهذا القانون. خلاف ذلك سيبقى القانون المشروع الجدي الوحيد في الساحة، أو "اللعبة الوحيدة في المدينة"، ومحاولات إسقاطه دون طرح بديل، لا تخفف من حقيقة هذا الأمر.

تعني محاربة هذا المشروع، الذي طرح أمامنا بنص قانوني، أن المطلوب هو ليس فقط إسقاط القانون، بل أن المطلوب هو محاربة ومناهضة جميع المفاهيم التي بني عليها القانون والتي أتى القانون ليعززها، والتي هي ما يعطي القانون خطورته، وأن علينا في ذات الوقت أن نحرص على التأكيد على كل ما أتى القانون ليشكك فيه أو لينفيه أو لينكره أو ليقمعه. فإذا أتى القانون ليحارب انتماءنا وهويتنا وعلمنا، فإن انتماءنا وهويتنا وعلمنا، عليها أن تكون في مركز النضال، يقمعونك كفلسطيني، إذا عليك أن تحضر كفلسطيني. وإذا أتى ليحارب أيضا مفهوم المواطنة الكاملة، فإن مفهوم المواطنة الكاملة عليه أيضا أن يكون في مركز النضال، وإذا كان قد أتى أيضا ليؤكد على مفهوم الدولة اليهودية كـ"التبرير الأخلاقي" لعملية التطهير المتشعبة، فإنه لا يصلح الابتعاد أو السكوت عن موقفنا من "الدولة اليهودية" كأساس للنضال ضد القانون. لا يمكن للنضال ضد القانون أن يعتبر المفاهيم المؤسسة للقانون، هامشية أو عرضية، أو أن يعتبر التعامل معها "عائقا للهدف".

وإذا ما أغفلنا القيمة السياسية المركزية في وضع البعد الوطني للمواطنة الكاملة في مركز النضال، وفي أن العلم الفلسطيني هو ما يعطي معنى وسياقا للافتة "المساواة" في تل أبيب ويحميها من الأسرلة، فسنصل في حال سقوط القانون فعلا، لوضع يجسد المقولة "العملية نجحت والمريض مات"، بمعنى أننا قد نسقط القانون، لكننا نكون نحن قد حققنا بأنفسنا أهدافه في الفصل بين الوطن والمواطنة، وبهذا نكون أيضا قد حولنا نضالنا ضد القانون لأول نجاحات القانون.

بالإضافة لكل ما تقدم، يوقعنا هذا التفكير بتحييد الهوية عن المواطنة - تكتيكيا، ريثما يسقط القانون- في وهم أننا بذلك نقوم "بالسيطرة" على عملية توسيع تفاهماتنا مع "الصهيونية الليبرالية". في ذلك الكثير من الاستخفاف بنا وبـ"الصهيونية الليبرالية" معا. استخفاف بنا، كوننا نضع حساسيات أو حتى قناعات تلك القوى فوق القيمة السياسية لوضوح خطابنا ولاستقلالية قرارنا السياسي، وهو استخفاف بتلك القوى، كوننا نظن أن قناعاتها غير مبلورة، وأنها لا تفهم حقيقة منطلقات معارضتنا للقانون، ومدى تناقض منطلقاتنا هذه، وليس اختلافها فقط، مع منطلقاتها هي لمعارضة القانون. ودون الحاجة لمقال تسيبي ليفني الأخير، تعالوا نعترف أنه ليس هنالك من لا يفهم الفرق السياسي (والنفسي والوجداني والأخلاقي) العميق بين هذين الموقفين المعارضين للقانون. معارضة "الصهيونية الليبرالية" للقانون، ليس فقط أنها مختلفة كليا عن معارضتنا بل إنها أقرب للقانون المطروح من قربها من معارضتنا نحن للقانون. الصهيونية الليبرالية لا تريد إسقاط القانون، هي فقط تريد تحسينه، والعودة لمربع الموازنة بين اليهودية والديمقراطية بأمان.

وبالتالي حملنا العلم أم لم نحمله، فإن قرار "المعسكر الليبرالي" مستقل عنا وعن سلوكنا السياسي، بقي أن نستقل نحن عنه، وبقي أن نؤكد نحن بحملنا للعلم، أن المواطنة التي نتحدث عنها هي مواطنة واضحة الهوية، خلاف ذلك نحن نسقط في تعريف هذا المعسكر الصهيوني للمواطنة، أي نسقط، من حيث لا ندري لمعنى القانون الذي نحاربه، ولقد حمى وجود العلم هذا السقوط.

باختصار، نحن لا نسقط النص، على حساب تحقيق غاية النّص، كما أنه لا يمكن للنضال ضد أي قانون أن يكون لا مباليا تجاه ضحايا القانون. في المفترقات الصعبة، وفي المنعطفات التاريخية، يكون الوضوح السياسي أنجع التكتيكات. وقانون القومية، هو القانون الذي لا نستطيع فقط أن نكون ضده، دون أن نكون وبشكل واضح مع نقيضه.

عن صحيفة القدس