دلال عريقات - النجاح الإخباري - لا نتحدث عن مشروع للمترو يحل مكان الأنفاق في غزة ولا نتحدث عن نوافير راقصة في بلديات الوطن ولا عن دواوير الشوارع التي تغطيها الأشجار المثمرة المصممة ببساطة لتريح المواطن ولا نتحدث عن فنادق ومشاريع سياحية للترفيه، ولا منتجعات ولا ألعاب مائية ولا تلفريك يسمح للمواطن بالصعود إلى السماء قليلاً ورؤية الواقع بوضوح، لا نتحدث عن استراتيجيات قلب الصف في التعليم العالي ولا عن جعل القدس مدينة مفتوحة الحدود الدولية، ولا عن دمج أنظمة سياسية لتحقيق أهداف استراتيجية ولا نتحدث عن تقنية لاكتشاف آبار للمياه أو حقول للغاز ولا مشاريع طاقة بديلة للاستغناء عن الكهرباء ولا عن روبوتات تحل مكان الإنسان في أماكن العمل، ولا حتى عن اقتطاع جزء من الحدود المصرية لتوسيع نطاق قطاع غزة، نتحدث الْيَوْم عن ميناء فلسطيني في قبرص وعن مطار فلسطيني في إيلات، تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية!

معنى الإبداع ببساطة هو أن يفكر المرء بأمر لم يفكر به غيره، أن يرى ما لا يراه الآخرون، أن يرى المحيط والتفاصيل المألوفة بطريقة جديدة، أن ينظم الأفكار ويظهرها في قالب جديد مستوحى من عناصر واقعية، الإبداع هو الطاقة لفهم واقعين منفصلين والعمل على الخروج بإضافة إيجابية من دمجهما، الإبداع يحتاج لطاقة عقلية هائلة، فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية إنسانية في انتمائها، والأهم في الحالة الفلسطينية أن الإبداع هو القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة وهنا إذا نظرنا لمصائب قطاع غزة، وإذا افترضنا أن حماس تمثل فلسطين، قد نظن أن التفكير خارج الصندوق وصل درجة الإبداع على يد حماس، صدق من قال أن بين الإبداع والجنون شعرة!

قبل عدة أعوام، عندما كتبت كيف ستكون فلسطين لو لم تكن محتلة، ووصفت حالة متطورة من الإبداع والمشاريع الاستثمارية والمنتجعات وتخيلت مطاراً في غزة ومطاراً في أريحا، اتهمني بعض القرّاء الذين ينتمون للمدرسة الواقعية بأنني غير واقعية وأنني أعيش أحلام اليقظة في واقع مستحيل فيه الإبداع، وعندما كتبت عن حاجتنا لرؤساء بلديات أصحاب رؤية، وطالبت بالمزيد من الإبداع في مشاريع البلديات المختلفة من خدمة الدراجات الهوائية والمياه الرشاشة في الصيف على الأرصفة أو القطار "الترام" أو الحنطور لجولات في المدن الرئيسيّة او شواطىء افتراضية للعب على الرمل للأطفال للتعويض عن البحر، رد علي كثيرون أن مثل هذه المشاريع ممكنة في أوروبا والدول الغربية ولكن عندنا صعب، آخذين بعين الاعتبار الثقافة والدين وغيره!

ميناء في قبرص ومطار في إيلات، للفلسطينيين! الْيَوْم أتساءل بجدية عن أصل وواقعية تحقيق هذا الإبداع الفكري، هنيئاً لحماس هذا الإبداع الذي يدمر المشروع الوطني لدولة فلسطينية متواصلة جغرافياً على حدود ١٩٦٧، ليس من المُجدي لنا الآن الانتقاد على صفحات التواصل الاجتماعي لأنها كلها افتراضية، وليس من المجدي أن نبدأ بالتهكم من خلال القول أن منظمة التحرير هي من أوصلنا لهذه المرحلة، علينا جميعاً أن ندرك أن هذا الإبداع الفكري هو أمريكي/إسرائيلي في الأساس، إقليمي في الأطماع ويعود للحاجات المجتمعية والإنسانية في التبرير. لسنا بحاجة لمزيد من التحليل والتأويل، الصورة باتت واضحة وضوح الشمس، وإن لم يكن هناك فعل لإيقاف هذا الجنون، فهنيئاً لحماس دولة غزة المتناثرة الأبعاد، دولة الإبداع ما بين الواقع الأليم والخيال، دولة وهمية تحقق المخطط الصهيوني، وتُلغي حقوق الفلسطينيين في دولة متواصلة جغرافياً تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، هذه هي الصفقة التي طال انتظارها، حُكم ذاتي لمنظمة التحرير في الضفة الغربية وحُكم ذاتي لحماس في قطاع غزة، أما القدس والأمن والحدود والاقتصاد والدولة والإبداع فتبقى كلها لإسرائيل.

عن القدس الفلسطينية