طلال عوكل - النجاح الإخباري - قبل ان يبدأ مهمته وبدون ابداء الأسباب، يعلن رئيس فريق التحقيق في جرائم اسرائيل بحق مسيرات العودة شرق غزة. من اسمه واسمه ديفيد كرين، كان لا بد من فحص ما اذا كان سيكمل مهمته السامية بقرار من مجلس حقوق الانسان، ام انه سينسحب، اما بسبب انتمائه اليهودي، او تحت ضغط وتهديدات الحلف الامريكي الإسرائيلي. الطعن في أهليتيه في لمثل هذه المهمة لا يعود إلى كونه يهودياً , فلقد توفي قبل أيام المناضل اليهودي يوري افنيري، وهو واحد من ألاف وريما اكثر من اليهود المعارضين للصهيونية، وللسياسة والمخططات الاسرائيلية. هذا يعني ان السبب في استقالته يعود الى رضوخه امام قوة الضغط الامريكي اساسا ثم الصهيوني.

كان قبله ريتشارد جولد ستون، وهو ايضا من اصل يهودي قد قاد فريقا للتحقيق في شبهة ارتكاب اسرائيل لجرائم وانتهاكات للقانون الدولي، بحق الفلسطينيين خلال العدوان الذي شنته اسرائيل على قطاع غزة نهاية عام 2008. كان جولد ستون قد اجرى لقاءات وتحقيقات مباشرة في قطاع غزة، وحصل على شهادات من قبل جهات قانونية موثوقة وذات مصداقية فضلا عن شهادات من بعض الضحايا. فريق جولد ستون تمتع بالمصداقية والمهنية، والالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الانساني وخرج بتقرير يتضمن استنتاجات هامة ودامغة بشأن جرائم ارتكبتها إسرائيل لكن اسرائيل رفضت التقرير ونتائجه، رغم انه تضمن ايضا شهادات قدمتها منظمات حقوق انسان اسرائيلية.

كان واضحا منذ البداية ان اسرائيل ترفض التعامل مع كل جهد دولي يحاول القيام بمهمات تتعلق بالصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي، حتى لو كان من جهات صديقة وممن ساهموا في خلق ودعم وحماية المشروع الصهيوني، فالمبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي باءت بالفشل نتيجة الرفض الأمريكي الاسرائيلي. قبل ايام كان الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، قد بلور اقتراحات لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، في الاراضي التي تحتلها اسرائيل منذ عام 1967. اقتراحات الامين العام لم تكن كافية، ولم تكن بناء لمبادرة من طرفه، كانت الولايات المتحدة ستمنعه من تقديمها حتى قبل ان يفكر بها، وانما جاءت بناء لتكليف من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صوتت بمئة وثمانية وعشرين صوتا لصالح القرار. قرار الجمعية العامة جاء هو الاخر بعد فشل مشروع قرار لتأمين الحماية الدولية قدمه المندوب الكويتي في مجلس الامن وعطله الفيتو الامريكي. الملاحظة شديدة الوضوح ان اي مشروع قرار يتعلق بالحقوق الفلسطينية، ويستند لقرارات الامم المتحدة، يحقق النجاح في معظم ان لم يكن في كل مؤسسات الامم المتحدة إلا مؤسسة مجلس الامن، حيث تقف الولايات المتحدة بالباع والذراع لمنع صدور أي قرار او بيان او مذكرة، تمس اسرائيل من قريب او بعيد.

والملاحظة الاخرى ان الجزء الاكبر من استخدامات الفيتو الأمريكي في مجلس الامن، يخص القضية الفلسطينية، ويصب في مربع الدفاع عن اسرائيل. بوقاحة شديدة يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ان ملف القدس قد ازيح تماما من على الطاولة، والجهد الامريكي واضح كل الوضوح لإزاحة ملف حق عودة اللاجئين عن الطاولة أيضا، ولكنه مع ذلك يعتقد بان الفلسطينيين سيحصلون على ثمن يغريهم بالجلوس على طاولة المفاوضات في اطار صفقة القرن. يستقيل ديفيد كرين رغما عن انفه، وسيكون بمقدور مجلس حقوق الانسان تكليف شخصية اخرى، ولكن اسرائيل سترفض التعامل معه ومع فريقه كما تفعل دائما، لكن المجتمع الدولي لن يظل عاجزً عن الانتصار للعدالة والنصفة، ذلك ان الدفاع عن القانون الدولي، هو دفاع عن النفس بالنسبة لمعظم دول العالم، والا فان الامم المتحدة ستفقد مبرر وجودها ان هي لم تنجح في حماية الامن والسلام الدوليين، وابقت هذه المهمة السامية مرهونة للبلطجة الاسرائيلية الامريكية. ان فجاجة العدوانية والانانية الامريكية التي لا تتوقف عن اتخاذ اقسى العقوبات بحق اقرب حلفائها، لن تستمر طويلا في حماية العنصرية والعدوانية المتزايدة في اسرائيل التي لا توفر دقيقة في تجسيد هذه الهوية التي اختارتها لنفسها بقانون اساس القومية.