هاني حبيب - النجاح الإخباري - لم تنجح دولة الاحتلال الإسرائيلي في سعيها لدفع المواطنين المقدسيين المشاركة في انتخابات بلدية العاصمة الفلسطينية، في أوّل مرة تعقد فيها هذه الانتخابات في عام 1969 لتجرى في شطريها الشرقي والغربي، كانت مشاركة أهالي القدس محدودة للغاية رغم الحوافز والإغراءات، مما اضطر دولة الاحتلال في ذلك الوقت على اجراء اعتقالات للشباب المقدسي في مركز شرطة المدينة، ومن ثم أخدهم لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم قصراً.

فيما بعد جرت عدة انتخابات للبلدية، ظلت المشاركة المقدسية العربية محدودة للغاية، علماً أن المشاركة كانت بالاقتراع فقط وليس بالترشح لعضوية أو رئاسة البلدية، موقف القيادة الفلسطينية، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الرافض لهذه المشاركة اقتراعاً وترشيحاً كان وراء الاستجابة الشعبية في عدم المشاركة.

والآن وبعد أكثر من أربعة عقود على الاحتلال الإسرائيلي وضم العاصمة الفلسطينية الى الدولة العربية باعتبارها عاصمتها الموحدة، ما زال الموقفين الرسمي والشعبي الفلسطيني على حالة من رفض أي مشاركة  مهما كانت المبررات في انتخابات بلدية العاصمة الفلسطينية التي من المقرر أن تجري في الثلاثين من اكتوبر / تشرين اول القادم، فقد جددت القيادة الفلسطينية دعوتها لمقاطعتها، كما هبّت القوى والفصائل الوطنية لدعم هذا الموقف بالتوازي مع المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية باعتبار أن مثل هذه المشاركة إنّما تمنح الاحتلال شرعية لوجودة واحتلاله من جهة وتأكيداً على القرار الامريكي باعتبار القدس المحتلة عاصمة للدولة العبرية من جهة ثانية.

هناك الآن دعوات من قبل عدد من الشخصيات المقدسية للمشاركة في هذه الانتخابات اقتراعاً وترشيحاً، وبدأت فعلاً في القيام بحملات انتخابية بذريعة ضرورة التصدي لأوضاع مدينة القدس الشطر الشرقي منها تحديداً حيث سوء الخدمات على كافة القطاعات والمستوياتـ وحيث أن مواطني القدس العرب يشكّلون حوالي 37 % من سكان المدينة فإن بإمكانهم التأثير على قرارات البلدية في حال شارك هؤلاء في العملية الانتخابية، الأمر الذي يلبي الحد الأدنى من حاجة المواطنين المقدسيين العرب إلى الخدمات والتأثير على القرارات المتعلقة بتأهيل البنية التحتية والتخطيط والبناء، حسب هذه الشخصيات

يغيب عن هؤلاء أن القوانين الإسرائيلية وعلى الأخص القانون الأخير حول "القومية اليهودية" لن يمنح أي مقدسي عربي في مجلس البلدية أي سلطة أو قرار، وأن تبرير المشاركة لسوء الأوضاع المعيشية والخدمية، لا يلغي الحاجة الماسة بالتمسك بالإجماع الوطنيى الفلسطيني الرسمي والشعبي، وأن عملية المشاركة تتجاوز المعايير الخدمية إلى الموقف السياسي الواضح والمطلوب، فإسرائيل تهدف من وراء دعوة الجماهير المقدسية للمشاركة في الانتخابات لبلدية القدس، توفير العناصر السياسية لتأكيد هوية القدس باعتبارها من وجهة نظر إسرائيلية عاصمة أبدية لدولة الاحتلال.

مع ذلك، فإن الموقف الصحيح لا يجب أن يتوقف عند رفض المشاركة في انتخابات البلدية فحسب، ولكن ذلك يجب أن يظل متوازاياً مع توفير كل الدعم السياسي والمالي والتنموي للمواطنين المقدسيين واعتبار هذا الهدف بنداً أوّل على جهود منظمة التحرير الفلسطينية وقوى شعبنا الحية في توفير إمكانيات الصمود لشعبنا الفلسطيني في عاصمته الأبدية القدس.