النجاح الإخباري - بين عامي 1973 و1974، صدرت سلسلة المانغا اليابانية "جن الحافي" لأوّل مرّة. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت واحدةً من أبرز أيقونات "الكوميكس" (القصص المصورة) وأشهرها في العالم، وقد تُرجمت إلى عشرين لغةً، وها هي تصدر بالعربية للمرّة الأولى عن "المحروسة للنشر"، في القاهرة، حيث سيتم إطلاق أوّل ثلاثة أجزاء من أصل عشرة عند السادسة من مساء اليوم.

يتناول العمل تجربة الفرد، خصوصاً الطفل، خلال مأساة إنسانية كبرى عاشتها جزيرة هيروشيما، بعد إلقاء القنبلة النووية عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، في (آب/أغسطس 1945)، وذلك عن طريق رواية الأحداث على لسان الطفل جن الذي يعيش في هيروشيما مع عائلته وقت حدوث الكارثة.

رسمَ هذه القصص رسّام الكاريكاتير كيجي ناكازاوا. وكانت أوَّل مجموعة منها بعنوان "كما رأيتها"، وقد ضمّت روايات لشهود عيان، نُشرت بشكلٍ متسلسل في دورية يابانية، فتلقّفتها الصحافة الأميركية ونشرتها عام (1982)، قبل أن يحوّلها ناكازاوا إلى سلسلةٍ بطلها الفتى جن الحافي، وظلّ ينشرها في مجلّات تتغيّر من عام إلى عام، فقد تراوحت بين النقد السياسي للسلطة في اليابان، وتسجيل التاريخ المؤلم الذي عاشته البلاد، فكانت كلّما أُلغيت من مجلّة وجدت أخرى حتّى أصبحت سلسلةً من عشرة أجزاء.


تدور القصّة حول عائلة جن، الطفل الذي يبلغ من العمر ستّ سنوات، وهي عائلة فقيرة تعيش في هيروشيما، يحضّها الأب دايكيشي على أن تعيش مثلما ينبت القمح، الذي مهما كانت ظروف زراعته قاسية، فإنَّه ينبت ويُعطي الخير لأصحابه.

دايكيشي يتّخذ موقفاً رافضاً للحرب، ناقداً لها وحانقاً عليها، شعوره بأنَّ بلاده تنجرف إلى هاوية جعله ينتقد النظام الإمبراطوري علانيةً، فتسمه البلدة التي يعيش فيها بالخيانة، ما يعرّضه إلى فقد العمل والاحترام، فيلجأ إلى السُكر والترنّح في الطرقات، بينما بلاده تخوض الحرب، ليجلب المزيد من العار لعائلته. هذه الحالة تضطرّ ابنه إلى الانضمام للبحرية كي يشارك في الحرب العالمية الثانية ويمحو عار العائلة المنبوذة، وهناك يتعرّض لمعاملة قاسية.

وفي حين يذهب الابن الأكبر إلى الحرب، يموت الأب وإخوة جن في حريق هيروشيما، ويهرب هذا حافياً مع والدته الحبلى، والتي تضع مولودتها، توموكو، باكراً بسبب الخوف.

في هذا السياق، تدور الأحداث لتنتقد الحرب والسلطة، وتحكي حكاية تنوب عن كل ضحايا هيروشيما من الأموات، وممّن نجوا بحياتهم واحترقت ذاكرتهم وقلوبهم مع ما شهدوه وعاشوه وفقدوه.

بالنسبة إلى القصص المصوّرة، تُعد "جن الحافي" من أكثرها تعقيداً لجهة الثيمات التي تعالجها، فهي تُسائِل أشكال الخيانة؛ خيانة العائلة، وخيانة الوطن وإن كانت تعني الولاء للسلطة، ثمَّ تحديد العدو ومقاومته، حيث إنَّنا نشهد على مدار الأجزاء جن يتحوّل إلى مراهق، فيقاوم الجنود الأميركيين حين يسمع باستسلام بلاده، بينما يضع القدر في طريقه دائماً المزيد من ضحايا هيروشيما المشوّهين والعاجزين، ويفقد المزيد من الأهل والأصدقاء... كأنما الحرب لم تضع أوزارها، إذ يستمرّ ضحاياها في السقوط حتى بعد أن انتهت.