علاء الدين أبو زينة - النجاح الإخباري - لاحظ المتابعون لمباريات كأس العالم في روسيا، أن الفرق العربية المدجج بعضها بنجوم اللعبة لم تحرز نجاحاً يذكر في "المونديال". وذكَّر البعض بأن اللاعبين العرب يكونون أفضل عندما يلعبون مع الفرق خارج بلدانهم، ويتغيرون مع منتخبات بلادهم. وفي الحقيقة، ليس الأمر أن للفشل علاقة بالجينات العربية، في الرياضة وغيرها، لأن الكثير من العرب يتفوقون في بلاد الآخرين. وليس الأمر أيضاً أن عدواً ما رش مادة في هواء البلدان العربية يخدر الناس، لأن الفرق العربية تخسر في الهواء الأجنبي أيضاً. ويبقى الأداء الهزيل للمنتخبات العربية -والقضايا العربية- بينما يبدع العرب الأفراد في الأماكن الأخرى، محلاً للفضول.

ولا يقتصر الأمر على كرة القدم. فهناك عرب مبدعون ويشغلون مراكز الإدارة والقيادة في مختلف المجالات في دول العالم الأخرى. وربما يعرف الكثيرون منا زملاء أو أقارب كانوا عاديين تماماً هنا، لكنهم عرضوا إمكانيات وحققوا نجاحات غير متوقعة عندما خرجوا من هنا. وقد يفكر المرء في كثير من الأسماء العربية اللامعة في الأكاديميا والفكر والتنظير، وفي العلوم، ويغلب أن يتصور لأصحابها مصائر مختلفة تماماً لو أنهم ظلوا في العالم العربي.

ما الذي يحدُث؟ نفكر أحياناً بأن للأساتذة أو رؤساء العمل الأوروبيين أسلوبا في إخراج أفضل ما في الفرد. لكن الذين يدربون منتخبات كرة القدم العربية هم من الأجانب. ومع ذلك، يدربون المنتخبات العربية على الدفاع أكثر من الهجوم، ويلعبون في أفضل الأحوال على التعادل. وكأن هؤلاء يكونون على دراية بإمكانيات أفراد، لكنهم يرون أن من المستحيل دمجهم في مجموعة يمكن أن تجابه وتنتصر. أو ربما تصيبهم عدوى التنميط أو المحيط.

يرى بعض الذين يعقبون على المباريات، أن الفرق العربية تدخل الميادين مهزومة سلفاً. وحتى لو صمدت تسعين دقيقة، فإنها تفقد الصبر والتركيز وتسلِّم في الدقائق الأخيرة. وقد تكرر ذلك بشكل لافت حتى يصعب أن يكون مصادفة أو سوء حظ. ولا يختلف هذا عن حال الجيوش أو المشاريع أو أي مجاميع عربية تنخرط في منافسة.

العرب الذين يبرعون في الخارج، ربما يفعلون ذلك لأنهم يخالطون مجموعات من نوع مختلف تجمعها روح مختلفة. والاختلاط يستفز على الأغلب ثقة نائمة في مكان ما، تدفع صاحبها إلى الإعلان عن أي إمكانات لديه بلا خوف من الملامة. ومن المفارقات أن الذي قد يساعد هو كون الفرد في البلد الأجنبي عربياً بالذات، ابن ثقافة مختلفة؛ حيث يدفع الشعور بالفرادة هذه المرة مسعى تأكيد الذات. وهناك كذلك الاحتفاء المختلف بمنجز الفرد في الثقافات الأخرى. ولذلك يكون المفكر العربي أو العالِم الذي يُنتج في الغرب، أو ينشر بلغة غربية، أوفر حظاً بمصادفة الحفاوة ممن يُنتج في المنطقة هنا، إذا وجد دافعاً كافياً للإنجاز هنا أصلاً.

لاعبو كرة القدم العرب يدخلون المباريات مهزومين وخائفين لأن الخوف جزء من التربية العربية التي قوامها مكونات قاهرة متضافرة. هناك إلغاء الفرد لصالح القبيلة، ليعيش مع شعور بأنه لا يستطيع حتى أن يضمن بقاءه الشخصي بغير القبيلة. ولذلك ينهزم إذا انهزمت القبيلة وينتشي معها إذا انتصرت.

هناك منظومات الوصاية الكثيرة، مثل العقائد والأيديولوجيات الطاغية المصرة على أحقيتها، وتصنع مئات الحواجز والضوابط على طبيعية الفرد ولا تسمح لأشواقه بالتدفق الحر. وهناك المنظومات السياسية المتحالفة وجودياً مع قوامع نزوع التغيير والاستنطاق: العادات والأعراف والمعتقدات وفكرة الثبات ذاتها، تخدمها أنظمة تعليمية تُعدِم استقلالية الفرد وتحشوه بالمحفوظات والثوابت. وهناك شعور غامر بشبه استحالة المحاولة على الصعيد الفردي، خاصة عندما تسفر أغلب المحاولات عن هزيمة، أمام عناد مختلف المنظومات والعوامل.

ربما الذي يهزم العرب في كرة القدم وغيرها، هو روحٌ جمعية طاغية صاغتها قرون في معزل عن أي عناية برغبات الأفراد. وإذا كانت الروح الجمعية منكسرة بالعمل الحثيث على كسرها، فإن الناس يدخلون معاركهم مغلوبين بتوقع الخسارة. وقد تكون مغادرة المكان المبقع بهذه التفاصيل شرط التحرر من هذه الروح الجمعية والإفراج عن الأشواق المكبوتة.

لذلك، لا تستطيع أموال العرب الأغنياء أن تشتري الروح الانتصارية للفرق والاحتيال لجني عكس ما زرعوه. وسوف يكون الطريق إلى الانتصارات طويلاً، إذا تم اتخاذ القرار بتطهير الروح الجمعية من الهزيمة. وما أصعبها من مهمة!

[email protected]

.... عن "الغد" الأردنية