طلال عوكل - النجاح الإخباري - بينما تواصل إسرائيل، اعتداءاتها على قطاع غزة، بذريعة مواجهة الطائرات الورقية الحارقة، التي فشلت كل الوسائل في منع إطلاقها، ووقف تداعياتها، توحي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس بأن الأمور قد تنزلق نحو حرب تشنها إسرائيل على القطاع.
العنوان الذي يذهب إليه الصحافيون، في تصريحات غوتيريس، ينطوي على خداع واضح، ذلك أن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، تشكل جزءاً من حملة التحضير لجولة المبعوثين الأميركيين كوشنير وغرينبلات للمنطقة. إسرائيل عالقة ومرتبكة في مواجهة الحراك الشعبي السلمي الذي يجري منذ الثلاثين من آثار على الحدود مع قطاع غزة، وهي مرتبكة إزاء عجزها عن وقف خطورة الطائرات الورقية، بوسائل لا تثير ضجة، ولا تنطوي على شبهة ارتكاب مجازر جديدة. في هذه الحالة فإن إسرائيل تستخدم الضغط العسكري المحسوب، حتى لا يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة لا مصلحة لها فيها في هذه الظروف. وفي الواقع فإن هذا الضغط المحسوب من قبل إسرائيل، وفشلها في مواجهة مخاطر الطائرات الورقية الحارقة، يشكل لقيادتها العسكرية والسياسية، فضيحة أمام مواطنيها ومستوطنيها، ويضرب مصداقية هذه القيادة التي هددت أكثر من مرة، باللجوء إلى أسلوب الاغتيالات السياسية واستهداف القيادات السياسية والعسكرية لفصائل المقاومة.
الفصائل الفلسطينية هي الأخرى، لا ترغب في التصعيد، وهي تكتفي بمواصلة النشاط الشعبي السلمي، ولذلك فإنها، أيضاً، تقوم برد محسوب على القصف الإسرائيلي. من الواضح بعد ذلك أن الكل مضطر لأن ينضبط لتوجيهات المايسترو الأميركي، الذي يدير اللعبة. الولايات المتحدة، ليست مضطرة لإعلان «صفقة القرن»، فلقد بدأت في تنفيذ أهم مفاصلها مرة بوسائل صارخة، وواضحة كما هو الحال بالنسبة لملف القدس، وملف اللاجئين، وأيضاً ملف الاستيطان والحدود، ومرة أخرى، بوسائل غير مباشرة ومضللة، كما هو الحال بالنسبة لكل ما يتعلق بقطاع غزة. مبعوثا الإدارة الأميركية للمنطقة، يواصلان حصار الموقف الفلسطيني، والمثال الأبرز هو ما تعرض ويتعرض له الأردن الشقيق من تهديدات وضغوط، وفق سياسة العصا والجزرة، فضلاً عن إدماج الدور العربي في العملية، تحت عناوين، لا يمكن لأحد من الفلسطينيين أن يرفضها. يعلم الفلسطينيون كل الفلسطينيين أن «صفقة القرن» ترتب لإقامة الدولة أو الكيان الفلسطيني في قطاع غزة، وأن ما يتبقى من الضفة الغربية سيذهب إلى صيغة ما للعلاقة مع إسرائيل والأردن.
غزة المحاصرة، والمعدومة من حيث الإمكانيات، والتي تتعرض لعديد الأزمات الاجتماعية والخدمية، لا تصلح بما هي عليه لأن تكون مكاناً للكيان الفلسطيني، ولذلك لا بد من تمكينها لأن تكون كذلك. العنوان المطروح لتأهيل قطاع غزة، هو الأزمة الإنسانية، وبذرائع مضللة، مرة تكون منع انفجارها، ومرة تكون بذريعة احترام حقوق الإنسان، ولكنها دائماً تذهب إلى عمق السياسة. أميركا تسعى بإعلانات واضحة إلى تجنيد أموال لتطوير قطاع غزة، ومعالجة أزماته، دون أن تضطر إسرائيل لرفع الحصار عنه. سكان قطاع غزة، موعودون بتدخلات ربما تكون أدواتها عربية وتمويلها عربيا، تؤدي إلى تغيير الواقع المزري الذي تعاني منه، ودون الحاجة في هذه المرحلة لتغيير طبيعة القوة المسيطرة وهي حركة حماس.
حماس التي تدرك كل ذلك، كما تدركه القيادة الفلسطينية وبقية الفصائل نجحت في التكيف مع الوضع المحيط، ولديها كل الأسباب التي تجعلها تتعامل مع هذه الوقائع، فالمصالحة متعطلة، وحماس لا تتوقف عن ممارسة الاشتباك مع المحتل الإسرائيلي، وهي أصبحت أكثر قبولاً من قبل عديد الدول العربية الفاعلة.
في الواقع فإن الفلسطينيين يسهلون تمرير هذا الفصل الذي يتعلق بغزة، رغم أنهم على وعي كامل لأبعاده السياسية ومخاطره على القضية الفلسطينية سواء كان الأمر يتعلق بفشل المصالحة واستمرار حالة الانقسام، أو كان ذلك بغياب أي مبرر لرفض محاولات معالجة أزمات قطاع غزة. الناس كما  الفصائل، لا يمكنهم أن يرفضوا حل أزمة الكهرباء، حتى لو كان ذلك على يد الشيطان، وهم لا يمكنهم أن يرفضوا فتح المعابر وتسهيل الحركة، أو حل مشكلة الرواتب، والعمل، والصحة. ولعل المبرر الذي يجري على لسان المواطن الفلسطيني اليوم، هو أن المواطن الذي يدفع ثمن الصراع مع الاحتلال والصراع الفلسطيني الفلسطيني، من حقه أن يحظى بحياة أفضل طالما أن قياداته السياسية، لا تبدي الحدّ الأدنى من الاهتمام بمعاناته. من تحت الطاولات تجري الترتيبات والمساومات، ولدى حماس، من الأوراق التي يمكن أن تلعب بها بشكل فاعل، فلديها ملف المقاومة وسلاحها، ولديها ملف الأسرى، وهي ليست بحاجة إلى تغيير موقفها السياسي المعلن من الاحتلال والاعتراف بإسرائيل. اللعبة السياسية تجاوزت الشروط السابقة التي كانت تتمسك بها الرباعية الدولية، حتى إسرائيل تخلت عنها، طالما أن النتائج ستكون متوافقة مع مخططاتها التصفوية.