ابراهيم دعيبس - النجاح الإخباري - بعد غد الثلاثاء..تجيء ذكرى هزيمة حزيران التاريخية، ولقد كتب المئات من المفكرين والكتاب عن هذه المناسبة وقدموا التحليلات والاستنتاجات، وبعد هذه السنوات فان اسباب الهزيمة تتعمق في مجتمعاتنا وقياداتنا ونزداد تراجعاً وضعفاً وانقساماً... والمحتل يزداد غطرسة وقوة وتوسعاً..

لقد انتصرت اسرائيل بالعقل والعمل والعلم، وانشغلنا نحن الفلسطينيين والعرب عموما، بالخلافات والحروب الداخلية، وما نزال نركض وراء سراب الخطابات والمؤسسات الدولية ونشكو وندد ونطلب المساعدة منها ومن الله، ولا نتقدم ولو خطوة واحدة.

وبنظرة سريعة الى واقعنا نلمس عمق مأساتنا. فلسطينيا نحن منقسمون وصار الناس في واد والقيادات في واد آخر ، وصرنا طبقتين في المجتمع واحدة تجمع المال وتركض وراءه وتكدسه بالبنوك بالداخل والخارج وبالحسابات الخاصة، واخرى تقاتل من أجل توفير لقمة العيش ونتيجة ذلك، ازدادت الروح الفردية والمصلحة الخاصة ولم يعد للمجتمع اية أهمية، وصار الفرد يرى نفسه الأول والأخير وكل شيء، ويقاتل من يقترب منه ولم يعد يهمه الا ان يحقق ما يريد ولو على حساب الآخرين او حتى حياتهم، وانتهت تقريبا، مفاهيم التسامح والتعاون والعمل المشترك، وصرنا نرى ازدياداً بالمشاجرات واعمال القتل وحوادث السير، وبصورة خاصة في شهر رمضان حيث المفروض التسامح والتعاون والخير.

وحين نتذكر مرحلة الانتفاضة الأولى وامير القدس فيصل الحسيني الذي نحيي ذكرى رحيله في هذه الأيام، وكيف كانت تسود روح الجماعة والتضامن والتسامح والمواقف الموحدة والحرص القوي على المصلحة الوطنية، ونرى ما وصلنا اليه اليوم، ندرك كم تراجعنا الى الوراء وابتعدنا عن الواجب والمسؤولية.

وللحقيقة، فان المشكلة ليست في الشعب المستعد دائماً للتضحية والعمل ولكن في من يقود الشعب ويتحكم بالقرار رسمياً، وهذه قضية تمتد الى عمق التاريخ الفلسطيني المعاصر منذ بدء الحركة الصهيونية حتى اليوم، حيث كان الشعب يقدم التضحيات والقيادات تنقسم وتختلف وتتقاتل احياناً ويغيب التخطيط والعقل ومواجهة الحقائق بواقعية وفهم للمعطيات، وكانوا هم يتقدمون ويحتلون الأرض خطوة خطوة.

في 5 حزيران تبدو الهزيمة ماثلة امامنا وبقوة وتبدو الأمة العربية في حالة من اسوأ ما يكون، وفي المقابل نجد اسرائيل تتسع استيطانياً ونفوذاً من اميركا غرباً حتى روسيا شرقاً مرورا بأوروبا ويبرطع نتانياهو بالوفود الى موسكو وزيارة مرتقبة الى عدة دول اوروبية وانحياز اميركي جنوني اعمى ليس بالفعل ونقل السفارة الى القدس فقط ولكن ضد مجرد قرار في مجلس الأمن يدعو الى حماية الشعب الفلسطيني الذي يفترس الاحتلال ارضه.

هذا ليس تشاؤماً ولكنه محاولة صادقة لوصف ما نحن فيه حتى لا نظل نركض وراء السراب... على أمل ان يكون الحل لنا والمستقبل البعيد لنا بالتأكيد.

موائد افطار... للكبار!!

لا يكاد يمر يوم منذ بداية شهر رمضان، بدون موائد افطار جماعية لا لأطعام الفقراء والمحتاجين فعلاً، ولكن للكبار من الشخصيات والوجهاء وأصحاب المصالح وبعض الاصدقاء، وقد حدثني أحد المدعوين باستمرار، ان وجبات الأكل عادة بوفيه مفتوح للطعام والشراب، وان الخطباء وغالبية المدعوين هم الاشخاص انفسهم بدون تغيير، وان ما يتبقى من الأكل يكفي على الأقل عشرين او ثلاثين عائلة، وبعدها يتفرق المدعوون بانتظار الافطار القادم.

ويتساءل الناس ألم يكن الأفضل تقديم هذه الوجبات او تكاليفها الى الفقراء والمحتاجين فعلاً؟ او الى اهل غزة مثلاً؟ او الى الذين هدمت بيوتهم أو تم تهيجرهم من قراهم وخيامهم؟ او الى المؤسسات المجتمعية التي تقدم الخدمات الى المرضى او ذوي الاحتياجات الخاصة، او الى الاطفال اليتامى ولهم مؤسسات كثيرة ترعاهم؟.

واذا كانت الاجتماعات للجميع من مسيحيين ومسلمين ووجهاء ورجال اعمال هامة ومفيدة، فإن من الممكن الالتقاء بعد الافطار على فنجان قهوة أو كأس شاي وتبادل الاراء والافكار بدل ملء البطون والمغادرة؟.

ان هذه هي مظاهر فقط ومحاولات لاثبات الوجود والدور الذي يقوم به الذين يدفعون التكاليف، وهي عمل للوجاهة المجتمعية لا غير، علماً بأن التكاليف كاملة لكل هذه الموائد سواء بالقدس او غيرها مرتفعة، ، ولو افترضنا ان بالقدس وحدها مائدة افطار واحدة يومياً وتكلفتها ١٠ آلاف شيكل فقط، فإن الاجمالي يكون نحو ٣٠٠ الف شيكل.

لن يستطيع أحد وقف هذه المظاهر المجتمعية المتفشية ورمضان يقترب من نهايته، ولكن النقد الايجابي لها هو أقل ما يمكن فعله.

نقلاً عن القدس الفلسطينية