المحامي زياد أبو زياد - النجاح الإخباري - استنادا إلى تقرير وزعته وكالة الأسوشييتد برس يوم الجمعة أول من أمس والتقرير الذي نشرته "القدس" من الأخ سعيد عريقات مراسلها بواشنطن فإن إدارة الرئيس ترمب تدرس إمكانية وضع حد لاستقلالية قنصليتها بالقدس ووضعها تحت الإشراف المباشر للسفارة الأمريكية لدى إسرائيل الأمر الذي يضع نهاية للموقف الأمريكي التقليدي من القدس والذي ظل قائما ً منذ قيام إسرائيل عام 1948.

هذا الوضع الذي كان يقوم على أساس احترام قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 الذي اقترح مكانة خاصة للقدس بوضعها تحت الإشراف الدولي وعدم الإعتراف الرسمي بأن القدس بشطريها تقع تحت سيادة أحد ، وأن القنصلية التي بالقدس تعتبر سفارة للقدس وترتبط مباشرة بوزارة الخارجية للدولة التي تمثلها القنصلية وليس بالسفارة.

وهذا الوضع لم يكن خاصا ً بالولايات المتحدة وإنما هناك ست قنصليات كانت قائمة في القدس الشرقية قبل عام 1967 كان القناصل فيها يقدمون أوراق اعتمادهم لمحافظ القدس وليس للملك أو وزير الخارجية الأردني ومرتبطون مباشرة بوزارات الخارجية في بلادهم. وحين تم احتلال القدس في حزيران 1967 ظل هؤلاء القناصل بما في ذلك القنصل الأمريكي مستقلون في عملهم يبعثون تقاريرهم مباشرة الى عواصم بلادهم وغير خاضعين لسفارات بلادهم الموجودة في تل أبيب . وكان من صلاحيات هذه القنصليات متابعة شؤون القدس العربية والضفة المحتلة. ثم أصبحت هذه القنصليات بعد قيام السلطة الفلسطينية بمثابة سفارات لدولهم لدى السلطة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع. وكثيرا ً ما رفض السفراء في تل أبيب زيارة مناطق السلطة الفلسطنينية لأنهم معتمدون لدى اسرائيل وأن مناطق السلطة وشؤونها هي من اختصاص القنصليات التي في القدس الشرقية أو ممثليات بلادهم لدى السلطة في رام الله.

وقد شمل هذا الوضع القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي كانت هي أيضا ً بمثابة سفارة أمريكية لدى السلطة الفلسطينية بحكم الواقع. وكان القناصل الأمريكيون يشاركون في الإجتماعات التي يعقدها كبار الزوار الرسميين الأمريكيين للقيادة الفلسطينية بما في ذلك الرؤساء ووزراء الخارجية وكبار الدبلوماسيين.

وأكثر من ذلك ، فقد بادرت وزارة الخارجية الأمريكية فور إعلان الرئيس ترمب عن نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس عن إصدار بيان يقول بأن نقل السفارة للقدس لا يعتبر تخليا ً عن الإلتزام العميق بالعمل لتحقيق صفقة سلام دائم ، وأن نقل السفارة لا يُشكل اتخاذ موقف ٍ بشأن قضايا الوضع النهائي أو حدود المنطقة التي ستكون تحت السيادة الإسرائيلية بالقدس وأن وضع القنصلية بالقدس سيبقى مستقلا ً وستظل مرتبطة بوزارة الخارجية وليس بالسفارة .

والجديد القديم في الأمر هو أن السفير الأمريكي الجديد بإسرائيل لا يتصرف كسفير لأمريكا لدى إسرائيل وإنما كسفير لليهود الأمريكيين ، وليس لكل اليهود الأمريكيين وإنما لليهود الأمريكيين المؤيدين لليمين الإسرائيلي المتطرف الداعمين للإستيطان ولفكرة أرض إسرائيل الكبرى ناهيك عن أن دافيد فريدمان كان معروفا ً من قبل توليه هذا المنصب بدعمه للمسوطنين وأنه هو نفسه عضو ٌ في جمعية تتبنى مستوطنة بيت إيل.

والتقرير الذي نحن بصدده يؤكد حقيقة أن السفير دافيد فريدمان جاء بأجندة سياسية لن يتوقف عن العمل من أجل تنفيذها على أرض الواقع، وأن أول خطوة في هذه الأجندة كانت نقل السفارة من تل أبيب الى القدس ، وإنكار أن هناك أراض ٍ محتلة ، وأن الخطوة التالية هي الغاء وضع القنصلية الأمريكية في القدس كسفارة لدى السلطة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع وتثبيت واقع أن ليس القدس الشرقية فقط بل القدس الشرقية والضفة الغربية جميعها هي تحت السيادة الإسرائيلية وإلغاء أية رسائل ضمنية كانت الخارجية الأمريكية تحت الوزير السابق تيلرسون قد حاولت إرسالها لتبديد مخاوف القيادة الفلسطينية من نقل السفارة للقدس ومحاولة إبقاء الباب مفتوحا لإمكانية إعادة فتح باب الحوار بين أمريكا والقيادة الفلسطينية.

إن إلغاء استقلالية القنصلية الأمريكية بالقدس والإقرار بأن القدس والضفة الغربية هي تحت ولاية سفارة أمريكا لدى إسرائيل هو تكريس للسياسة الأمريكية الجديدة التي قررت منع استخدام عبارة الأراضي المحتلة في أوراقها وتقاريرها حين الحديث عن الأراضي الفلسطينية والتي ترفض الحديث عن حل الدولتين ولم يبق أمامها سوى الإعلان عن الأراضي الفلسطينية بأنها أراض إسرائيلية محررة.

إن أخطر ما في هذه السياسة الأمريكية الجديدة هو أن تكون بداية انهيار في الموقف الدولي المؤيد لحل الدولتين والمتعاطف مع حقوق الشعب الفلسطيني لأن من الممكن أن يشهد هذا الموقف تصدعا ً ولو بعد حين ، وأن تقوم بعض الدول بالتدريج في محاكاة الموقف الأمريكي والسير في ركابه تحت ضغوط وإغراءات أمريكية وإسرائيلية . ولذا،فلا بد من أن تكون هناك استراتيجية فلسطينية عربية لمواجهة إمكانية حصول مثل هذا التصدع وأخذ زمام المبادرة لمواجهته أو طرح منهج جديد غير المنهج التقليدي الذي تعودنا عليه منذ عشرات السنين.

فلا يجوز أن نظل نعزف الإسطوانة المشروخة عن السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران وأن القدس هي العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني ونطرب لسماع أنفسنا ونظن بأن العالم سوف لا يهدأ ولا يهجع قبل أن ينفذ تلك المعزوفة.

نحن أمام متغيرات واضحة ومعالم جديدة لا بد أن نتعامل معها بقدرة إبداعية على استباق الأحداث وأخذ زمام المبادرة في التعامل معها بدءا ً بالتوقف عن عزف الإسطوانة المشروخة والبحث عن اسطوانة جديدة تكون على مستوى الحدث والتحدي.

نقلاً عن القدس الفلسطينية