د. سائد الكوني - النجاح الإخباري -  

حققت حركة التحرير الوطني الفلسطيني-«فتح» فوزًا مؤزرًا في انتخابات نقابتي المحامين والمهندسين يوم الخميس الماضي، ظافرة أغلب مقاعد النقابتين. وتنبع أهمية هذا الفوز الكاسح من كونه يتحقق في هذه الظروف الصعبة -داخلياً وخارجياً- التي تتعرض لها هذه الحركة ذات التاريخ النضالي التحرري المشهود له.

 

إنه نصر متوقع صنعه تلاميذ المهندس الأول.. والمحامي الأول.. الشهيد الراحل ياسر عرفات ورفاق دربه، ذلك الزعيم الذي في كل فلسطيني شيء منه، بل أحسب أن كوفيته حاضرة في كل إنسان وفي كل أصقاع الأرض؛ وأستذكر ما جرى في زيارة ثقافية تعليمية قصيرة لي لإحدى الجامعات الأميركية في صيف 2007، إذ التقيت خلال تجوالي في مراكز التسوق العامة، العديد من الأجانب البسطاء، وتبدأ كالعادة الأحاديث الودية بالتعريف عن الذات والبلد والغرض من الزيارة، وما كان يثلج الصدر معرفتهم بالقضية الفلسطينية وبكوفية أبي عمار رمز الظلم المستمر الذي يعانيه شعبنا، وهو أمر تكرر في أكثر من زيارة للخارج، ويلاحظه الجميع.

 

تكتسب نتائج انتخابات النقابات أهمية خاصة من كونها تتعلق بنخبة ذات أثر فاعل في صناعة القرار المجتمعي، ويحضر في ذهني ما تتصف به الانتخابات الرئاسية الأميركية بهذا الخصوص، فالرئيس الأميركي يتم حسم انتخابه من قبل المجمع الانتخابي أو ما يسمى نادي الصفوة بغض النظر عن عدد الأصوات المطلقة التي قد يحصل عليها مباشرة من عامة الشعب، في عملية انتخابية أكثر وعياً وإدراكاً في اختيار من هو الأفضل لصناعة القرار في البلد، منوهاً هنا إلى أن الاختيار المدروس، مهنياً وشعبياً، لمرشحي حركة فتح في هذه الانتخابات ساهم بهذه النتيجة، في عملية أيضاً شبيه بما يسمى الـ caucus في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث تختار المؤتمرات الحزبية المرشحين على أسس واعية ومدروسة، متمنياً أن يكون ذلك تعزيزًا لنهج جديد في آليات عمل الحركة بما يُكسبها ميزة تنافسية عالية لتحقيق الفوز في المعارك الانتخابية المستقبلية.

 

وفي هذا الانتصار الفتحاوي رسائل خارجية مهمة؛ لكل أولئك الذي يسعون ويراهنون على إيجاد تغيير في القيادة الفلسطينية وتفصيل قيادات تتساوق مع مخططاتهم الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية والتنازل عن الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني.

 

إن الانتخابات النقابية الحرة التي جرت تؤكد التفاف النخبة وصناع القرار حول منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة «فتح»، وهي مبايعة لنهج القيادة الفلسطينية الثابتة في وجه الضغوطات الأميركية والإسرائيلية ومن لف لفهما. وهي أيضا رسالة لديموقراطيات ودول العالم بضرورة احترام إرادة الشعب الفلسطيني إذا ما أرادت بالفعل التقدم في العملية السلمية، وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار لشعوب المنطقة والعالم.

 

داخلياً، تبرق نتائج الانتخابات النقابية عدة رسائل هامة، أولها احترام إرادة الناخب وعقله، وأن السعي للكرسي والمركز لا يجب أن يكون أهم من الفكر والنهج؛ فالتحالفات التي حدثت قُبيل الانتخابات والتي بموجبها شُكلت القوائم دفعت الكثيرين من المفكرين والمتابعين إلى السؤال:"مين مع مين، ومين ضد مين؟!". وكانت الإجابة الحاسمة في النتائج؛ فما الذي يمنع أن ينافس كُلٌ من واقع فكره ومعتقداته، ويترك للشارع القول الفصل، ولتأتي بعد ذلك المجالس المنتخبة إفرازاً ديمقراطياً حراً يعكس جمال وقوة لوحة الفسيفساء الفلسطينية التي نتغنى بها دائماً.

 

من جانب آخر، أكدت نتائج الانتخابات الرغبة الجماهيرية في العمل المشترك، وفي ذلك رسالة واضحة لكل المخلصين والغيورين على المصالح العليا لشعبنا، بضرورة التوحد والابتعاد عن المناكفات السياسية والحزبية الضيقة، والسعي الجاد والمخلص لإنقاذ المصالحة الوطنية التي ترقد في غرفة الإنعاش، ويبدأ ذلك بالتمكين الكامل والحقيقي لحكومة الوفاق في القطاع.

إن ما نشهده من امتزاج الدم الفلسطيني النازف وقوافل الشهداء التي ترتقي قرب السياج الفاصل في القطاع المحاصر وفي كل شبر من الضفة المحتلة بما فيها عاصمتنا الأبدية القدس يجب أن يكون دافعاً ومُحفزاً للجميع للارتقاء ونبذ كل ما يُفرق، والاجتماع على ما يُوحد؛ فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي مصالحة حقيقية تقوينا أمام كافة المؤامرات التي تُحاك على شعبنا وقضيتنا.. وحتى ندوس على "صفقة القرن" المزعومة ونرد الصفعة