النجاح الإخباري - خاص - عانى سكان قطاع غزة في سنوات الحصار والانقسام أسوأ فترة معيشية بسبب قلة الدخل الأسري وارتفاع نسب البطالة في أوساط العمال والخريجين والشباب, نتيجة اقتصار الوظائف على عناصر مقربة من حركة حماس التي سيطرت على القطاع في منتصف حزيران/يونيو من العام 2007، وأحكمت قبضتها على كل مناحي الحياة التجارية والاقتصادية، وفرضت الزيادات على الرسوم الجمركية والضرائب، واستحدثت رسوم اذونات للتصدير والاستيراد وفرضت ضرائب جديدة على بعض البضائع بحجة أنها "للرفاهية"، مما أدى إلى ارتفاع أسعار عدد كبير من البضائع أبرزها المشروبات الغازية، ومشتقات السجائر بأنواعها، وأسعار السيارات، والوقود، الأمر الذي مس حياة المواطنين بشكل مباشر وأثر على مستوى دخل الأفراد المعيشي، وآثاره السلبية تكللت بارتفاع مستوى الجرائم والقتل والسرقات.

ومع برزغ فجر الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بدأ المواطن يتنفس الحرية، ويشعر بالتغيير الفعلي والحقيقي على أرض الواقع, بعد أن أعلنت حكومة الوفاق الوطني تسلمها للمعابر بشكل رسمي في قطاع غزة، تلاها ادخال أنواع جديدة من السجائر إلى غزة بأسعار منافسة للموجودة في السوق الغزي والتي يسيطر عليها, عدد محدود من التجار المقربين من دوائر صناع القرار في غزة, وهم من يتحكمون في أسعارها وآلية ادخالها من الأنفاق الحدودية مع مصر, وآلية توزيعها في الأسواق.

وتكللت حرية المواطنين بإلغاء حكومة الوفاق جميع الرسوم والضرائب والجبايات "غير القانونية التي كانت تجبى والمعمول بها في قطاع غزة قبيل إعمال المصالحة, وشمل القرار إلغاء الضرائب التي كانت تفرضها حماس على السجائر المهربة من مصر الى القطاع عبر الانفاق الحدودية, ومع بدء وصول أول شحنة سجائر من الضفة الغربية الى قطاع غزة الاسبوع الماضي، انخفضت أسعار السجائر المستوردة في القطاع، وتهافت المدخنون لشراء السجائر المحلية بعد انقطاعها من أسواق غزة منذ اكثر من عشر سنوات.

وأبدى سكان غزة ارتياحًا كبيرًا مع انخفاض الأسعار, خصوصًا على المواد التي يتم استهلاكها بشكل يومي, مثل السجائر, وأثرت برمتها على حركة البيع والشراء والتداول في الأسواق, الأمر الذي عبر عنه عماد حدايد الذي يمتلك محلا لبيع السجائر ومشتقات الأرجيلة في غزة, كاشفًا أن حركة التداول على السجائر ارتفعت بعد انخفاض الأسعار, والاتجاه للمنتج المحلي, بدلًا من سجائر "الرويال" المهربة من مصر والتي كانت تتراوح أسعارها ما بين "15 إلى 25" شيكلًا, موضحًا أن الذي يتحكم في السعر التجار, دون رقابة.

وأشار إلى أن المواطن يتجه لشراء علبة السجائر المصنعة محليًا في الضفة الغربية, نظرًا لأن سعرها لا يتجاوز الـ"8" شواكل, في المقابل أقل تسعيرة للسجائر المهربة عبر الأنفاق أو سجائر الاستيراد الرسمي, تتجاوز الـ "15" شيكلًا, مبينًا أنه في الماضي كان يتحكم في السوق قلة محدودة من التجار, وهم أيضا من يتحكمون في الأسعار بحجج الصعوبات التي يواجهونها في عملية التهريب, وتعرض بضائعهم للسرقة والنهب في كثير من الأحيان والمصادرة من قبل تنظيم الدولة "داعش" الذي ينشط في المناطق الغربية لسيناء, 

وأوضح أن سعر السجائر الرسمي المستورد مثل علبة المارلبورو الاميركية من 35 شيكل الى "25" شيكلًا, بعد الغاء الضرائب الاضافية التي كانت تفرضها حركة حماس على المعابر.

وعبر المدخن أحمد معمر عن ارتياحه الكبير بانخفاض أسعر السجائر, موضحًا أنه يستهلك بشكل يومي أكثر من علبة, الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على دخل أسرته وحياته المعيشية, فيما يوافقه الرأي سعيد الأغا الذي يعمل بأجر زهيد في مواد البناء, والذي اوضح أن السجائر تستهلك نصف أجره اليومي واذا ارتفع سعرها قد تأتي بالأجرة كلها, وأضاف, أنه لا يستطيع تركها بعد أن فشل في عدة محاولات, وتابع, "من يعيش في غزة بأزماتها, لابد أن يُدخّن"

وكانت حكومة حماس تفرض 7 شيكل اسرائيلي ضريبة على كل علبة سجائر تدخل الى قطاع غزة عبر الانفاق الحدودية مع مصر, وتصل الى 20 مليون شيكل اسرائيلي قيمة ما كانت تجبيه حماس شهريا من ضرائب التبغ، بحسب مدير عام الدراسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد أسامة نوفل, فيما تبلغ نسبة المدخنين في قطاع غزة نحو 15 بالمئة، بحسب احصاء نشره الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني في العام 2016. 

اسعار السيارات

وألغت الحكومة الفلسطينية ايضا الضرائب التي كانت تفرضها حماس على السيارات بنسبة 25% من قيمة السيارة، الى جانب رسوم اذونات استيراد كانت تفرضها على كافة انواع البضائع المستوردة عبر معبر كرم ابو سالم مع اسرائيل, ويعبر التجار عن ارتياحهم لهذه الاجراءات، الا انهم يشكون من أنها لم تدفع بعد بعجلة الاقتصاد المنهار في القطاع.

وانخفضت اسعار السيارات في قطاع غزة ما بين الف و15 الف دولار اميركي لكل سيارة حسب قوة المحرك، بحسب نائب جمعية مستوردي المركبات في غزة وائل الهليس, لكنه أكد على أن حركة السوق شبه متوقفة، وأوضح أن الناس يراقبون بحذر بانتظار ما ستذهب اليه الامور بعد المصالحة.

ويؤيده التاجر أحمد ابو عيدة الذي يملك شركة استيراد اجهزة كهربائية، ويقول "الاقتصاد متدهور والقوة الشرائية ضعيفة بسبب أزمة الرواتب والبطالة والفقر", ويعتبر ان "إلغاء ضرائب حماس جاء في صالحنا كتجار لان هذه الرسوم كانت تدفع من هامش الربح، لكن المستهلك لن يلمس اثرا ملحوظا لذلك".

ويعاني القطاع من أزمات حادة في قطاعات الكهرباء والمياه والصحة والتلوث البيئي، الى جانب مشاكل البطالة التي تتجاوز ال40% والفقر المدقع الذي يطال شرائح واسعة من سكانه المليونين, ويرى نوفل ان توحيد التعرفة الجمركية "ايجابي"، لكنه يؤكد ان "عجلة الاقتصاد لم تتحسن بشكل ملحوظ في قطاع غزة بسبب انعدام القدرة الشرائية واستمرار الحصار".

وقال الخبير الاقتصادي ماهر الطباع لوكالة فرانس برس إن "إلغاء الضرائب سيخفف الاعباء الاقتصادية على التجار خصوصا، لكنه سيخفف هذه الاعباء بشكل طفيف على المواطنين", فيما تصل قيمة ما كانت تجبيه حماس من إجمالي الضرائب والرسوم في قطاع غزة الى نحو 70 مليون شيكل اسرائيلي شهريا،

بحسب أسامة نوفل الذي يتوقع أن تنحسر قيمة ضرائب القطاع بعد قرار إلغاء الرسوم والضرائب الى نحو أربعين مليون شيكل شهريا ستذهب لحساب السلطة الفلسطينية مقابل ضريبتي الدخل والقيمة المضافة.

ويقول الطباع إن "أي انتعاش اقتصادي يلمسه المواطن مرهون بإنهاء الحصار "الاسرائيلي" وتحسين الوضع المعيشي عبر خفض معدلات البطالة والفقر والسماح لقطاع غزة بالتصدير والاستيراد دون قيود".

يُذكر أنَّ قطاع غزة يعاني من عدة أزمات متراكمة تنتظر توفير الحلول المناسبة لها, اضافة إلى تفعيل الدور الرقابي على الأسعار في الأسواق والمحلات التجارية, ويذكر ان حماس كانت تعتبر السجائر والسيارات للترفيه, وليس من الضروريات ولهذا رفعت الضرائب عليها.