طلال عوكل - النجاح الإخباري - منذ جريمة قصف النفق شرق خان يونس، والذي ادى الى استشهاد اثني عشر مجاهدا من حركة الجهاد الاسلامي، لم تتوقف اسرائيل عن دق طبول الحرب. اذا اخضعنا الاجراءات الاسرائيلية ذات الطابع الحربي، فإننا سنستنتج ان هذه الاجراءات هي للتحضير لحرب وشيكة علي قطاع غزة، هذا العنوان بات يشغل وسائل الاعلام والجمهور الفلسطيني في القطاع، على الرغم من ان الفلسطينيين امتنعوا عن قصد مدروس، عن اعطاء اسرائيل المبرر الذي تنتظره. صحيح ان حركة الجهاد الاسلامي، واصلت اطلاق التصريحات التي تشير الى ان الحركة لن تتسامح مع العدوان الاسرائيلي وان دماء شهدائها لن تذهب هدراً، لكن هذا الخطاب توقف عند ابعاده النظرية والمعنوية، ولم يتجاوز ذلك الى الفعل.
تدرك حركة الجهاد وبمسؤولية وطنية، ان الاحتلال يحاول استدراج فعل فلسطيني، يبرر له تصعيد الوضع على جبهة القطاع، وتدرك ايضا بمسؤولية وطنية ان الاحتلال يبحث عن ذرائع لافشال المصالحة الفلسطينية. لذلك ثمة توافق فلسطيني شامل على ضرورة الاحتفاظ بالهدوء وافشال المخططات الاسرائيلية سواء من اجل انجاح المصالحة الفلسطينية او حرصاً على حياة الناس في قطاع غزة، الذين لم يتم مداواة جراحهم جراء الحرب السابقة.
اسرائيل لا تحصر تهديداتها بالرد على حركة الجهاد في حال قامت بالانتقام لشهدائها، وانما تهدد بعدوان شامل على القطاع من خلال اعتبار حركة حماس مسؤولة عن اي فعل تقوم به اي جهة فلسطينية، ما يعني ان عليها ان تقوم بضبط الاخرين، او تحمل المسؤولية. لو ان اسرائيل ترغب ولها مصلحة في استمرار حالة الهدوء على جبهة القطاع كما تدعي اوساطها الرسمية، لكان عليها ان تتوقف عن اعتداءاتها واستفزازها لفصائل المقاومة في القطاع. من يتابع مجريات الاحداث سيقف عند حقيقة ان اسرائيل لم تتوقف ولا ليوم واحد عن ممارسة العدوان على القطاع في البر والبحر، ما يعني انها ماضية في محاولاتها لشراء رد فلسطيني يبرر لها تصعيدا نوعياً.
اسرائيل تعرف ان المقاومة في قطاع غزة، لا ترغب ولا تتجه نحو تصعيد الموقف، وانها لن تعطي الاحتلال هذا المبرر، لكن اسرائيل تواصل التحضير لعدوانها، حتى لو لم يتوفر لها هذا المبرر، مرة تعلن الاوساط الاسرائيلية عن اكتشاف نفق اخر في شمال قطاع غزة، يصل الى مدينة عسقلان، ولكنها تفتقر الى الدلائل الملموسة المقنعة، ومرة تقول انها مضطرة لان تقوم بعمل استباقي حماية لمصالحها وجمهورها.
اذاً التهديد بالعدوان قائم في كل الحالات سواء عثرت اسرائيل على الذرائع، او ان عليها ان تختلق هذه الذرائع. التصريحات التي صدرت عن الادارة الاميركية وعن ممثل الامم المتحدة في الاراضي الفلسطينية المحتلة ملادينوف، والتي تنطوي على تحذيرات جدية لفصائل المقاومة، تضفي قدرا من الجدية على النوايا الاسرائيلية.
الاجراءات الاسرائيلية على الارض تعطي مصداقية للخطاب السياسي والاعلامي، سواء التغييرات الواسعة في قيادة الجيش او نشر منظومات جديدة من القبة الحديدية بما في ذلك حول تل ابيب، او تحذير سكان غلاف غزة من البقاء قرب الملاجئ وعدم التحرك في المتنزهات، فضلا عن حشد المزيد من القوات حول القطاع.
في الواقع فإن أحداً لا يمكن ان يتجاهل مدى جدية التهديدات الاسرائيلية وبأن الحرب على قطاع غزة، هي فقط مسألة وقت، الامر الذي ينبغي ان يؤخذ بالحذر من جانب الفلسطينيين، ولكن هل نحن امام عدوان واسع وشيك على القطاع؟
المناخ العام في الاقليم يشير عموما الى تصاعد لغة الحرب والصراع، سواء على جبهة لبنان وسورية، شمال فلسطين المحتلة، او على جبهة قطاع غزة، مسقوف كل ذلك بتزايد حدة الصراع والتوتر بين السعودية وايران، وبالحاجة الاميركية الاسرائيلية لتحضير ميدان المفاوضات السياسية والتسوية الاقليمية، وتضارب المواقف بشأن الاتفاق حول النووي الايراني، في ظل هذه المناخات، اعتقد أن التهديدات الاسرائيلية لقطاع غزة في هذه الايام التي تسبق حوار الفصائل في القاهرة في الحادي والعشرين من هذا الشهر، يستهدف اثارة التناقض بين الاطراف الفلسطينية بشأن ملف المقاومة وسلاحها، الذي سيكون على طاولة الحوار. وقد يكون التهديد الاسرائيلي على قطاع غزة محاولة، لصرف الانظار عن حرب تشنها اسرائيل، على الجبهة الشمالية كاستحقاق اسرائيلي تنتظر من ورائه تطبيع علاقاتها مع الدول العربية. المقاومة وسلاحها في قطاع غزة، هي ايضا واحدة من الاستحقاقات المطلوبة من اجل تسهيل المفاوضات السياسية التي تحضر الولايات المتحدة لاطلاقها، وبدأت التسريبات بشأنها، وقد تبدأ مع مطلع العام القادم، هذا يعني ان نتائج الحوار الذي سيجري بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة بشأن ملف المقاومة وسلاحها والملف السياسي هو الذي سيقرر الى حد بعيد مدى قرب العدوان الاسرائيلي الواسع على القطاع، خاصة وان حسابات هذا العدوان اسهل بكثير بالنسبة لاسرائيل من حسابات الحرب على الجبهة الشمالية التي تتصل بلبنان وسورية.