اماني القرم - النجاح الإخباري - دوماً يدهشنا الوطن العربي وقياداته بأحداث دراماتيكية مثيرة تشغل العالم، وبالغالب تعود علينا بوبال من الخراب والدمار ومزيد من نقاط الفراغ والدول الفاشلة، بحيث أمسينا ساحة مستباحة للقوى المختلفة للتأثير وملء الفراغ.

خلال الشهور الماضية غرقنا في تفاصيل أحداث ذات ارتدادات كليّة بدءاً بالخلاف الخليجي الخليجي، ومروراً بحيثيات المصالحة الفلسطينية وانتهاء باستقالة الحريري التاريخية من السعودية. ومن المؤكد أن المواضيع الثلاثة ترتبط فيما بينها بخيوط جدّ متشابكة. ولست هنا بصدد تحليل هذا الارتباط ليس لسبب إلا لأن جميعها ردود أفعال وتكتيكات، تأتي في إطار عناوين كبرى أهمها الصراع على النفوذ في المنطقة. ولكن ما يستوقفني في هذا المشهد المعقد هو الأسلوب الذي يتبعه صناع السياسية العربية في رؤيتهم لحلول الأزمات خاصة مع ظهور نتائج الأحداث على المدى القصير، مما يطرح تساؤلاً بل تشكيكاً في وجود وفعالية التخطيط الاستراتيجي السياسي في الوطن العربي.

فالخلاف الخليجي ــــ الخليجي فتح أبواب قطر على مصراعيها لإيران وتركيا. وسياسة "العلاج بالصدمة" التي اتبعها الحريري وحلفائه كحل لتصاعد نفوذ حزب الله في لبنان والإقليم، تنذر بخلق جبهات ساخنة في دولة هشة قادرة على نشر الفوضى في كل مكان. وتأجيل الملفات المعقدة في المصالحة الفلسطينية، واعتقاد حماس أن مسئوليتها قد انتهت برمي الجمل بما حمل من كوارث في غزة وانطلاق قادتها لإعادة ترميم علاقاتهم بإيران، مصحوباً ببطء في إجراءات السلطة الفلسطينية، يتيح مساحات شاسعة للتخريب ويشكّل رافعة قوية لنسف كل جهود المصالحة. وتلك عينة قليلة أما الباقي فحدث ولا حرج عن سوريا والعراق واليمن.

إن غالبية السياسات التي ينتهجها صناع القرار العرب تكشف عن أمرين: الأول - هو غياب كلي للاستراتيجية الكبرى أو ما يعرف ب "Grand Strategy" عن صناعة السياسة العربية مما يعرضها في النهاية وكنتيجة حتمية إلى فقدان البوصلة في توجيه الأحداث. والأمر الثاني - ويترتب على الأول هو غياب التقييم الدقيق للمشكلة وحيثياتها وتداعياتها مع عدم وجود خطة بديلة مما يعني تخبط وقراءة خاطئة للأمور. وكلا الأمران ناتج عن غياب التخطيط الاستراتيجي السياسي المستند على أسس فكرية وعلمية تقرأ الماضي وتقيّم الحاضر وتستكشف المستقبل.

إن التخطيط الاستراتيجي لا يعني أفكاراً ولا إعداد منشورات فاخرة أو مؤتمرات فحسب. بل هو فن وعلم يرتكز على القياس والتقييم الدقيق، وترجمة الأجندة الوطنية ضمن سلم أولويات مع طرح بدائل مختلفة وطرق تشكيل سند داخلي وخارجي. وهذه الأمور لا يقوم بها القادة، بل المفكرين الاستراتيجيين ومراكز الأبحاث الغائبة في الوطن العربي أو كما يطلق عليها في الولايات المتحدة (بنوك تفكير ــــ Think Tanks). وعلى القادة العرب سماع صوت الحكمة والتخطيط السليم بعيداً عن غوغائية الإعلام والعالم الافتراضي وردود الأفعال تبعاً لمقولة الجنرال جورج مارشال: "تجنّب التوافه"