النجاح الإخباري - منذ بدء الحرب على "داعش"، بدا أبو بكر البغدادي كأنه يتمتع بسبعة أرواح. مراراً أعلن كل من التنظيم الدولي  الذي حرر الرقة مع قوات سوريا الديموقراطية، والجيش العراقي الذي طرده من الموصل بمساعدة قوات الحشد الشعبي، وروسيا وغيرهم  مقتله، ليتبين لاحقاً أن هذا الامر لم يحصل. فعلى  رغم تخصيص الولايات المتحدة مكافأة قيمتها 25 مليون دولار لرأس أبو بكر البغدادي الذي أعلن خلافته في حزيران 2014 ، لا يزال على الارجح  طليقاً .

وأعلن البغدادي الخلافة بعدما حقق التنظيم مكاسب ميدانية سريعة في العراق. وبعد ذلك بوقت قصير، ظهر في لقطات كانت الاولى والوحيدة له يؤم المصلين في مسجد النوري في الموصل والذي دمره داعش لاحقاً. 

وفي مطلع تشرين الثاني 2016، أصدر "داعش" تسجيلاً صوتياً قال إنه للبغدادي خاطب فيه مقاتلو التنظيم وحضهم على الدفاع عن الأرض، قبل معركة الموصل.

الروس أعلنوا قتله

وبعد ادعاءات عدة لقوات التحالف الدولي بقتله، قالت وزارة الدفاع الروسية في حزيران الماضي إنه قد يكون قتل في غارة شنتها في 28 أيار، الا أن الجيش الاميركيي شكك في هذه الفرضية، بحجة أنه لو حصل ذلك لكانت الاستخبارات الاميركية رصدت دردشات في هذا الشأن في اتصالات التنظيم وحساباته للتواصل الاجتماعي. وبما أن ذلك لم يحصل، رجح أنه لا يزال حياً.

ولاحقاً، بدت الشكوك الاميركية في محلها عندما ظهر شريط مسجل مدته 45 دقيقة يسخر فيه البغدادي من الولايات المتحدة، ويحشد من بقي من مقاتليه ضد النظام السوري، مصراً على أن "داعش باقٍ"، على رغم تزايد الضحايا وخسارته مساحات واسعة من أراضيه.

 وفي حينه، قال الناطق باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية تيموثي باريت: يبدو أن التسجيل حقيقي"، بعد 11 شهراً من الصمت للبغدادي. 

مراراً، أوحى الاميركيون بأنهم يعتقدون أن البغدادي يختبئ في مكان ما في وادي نهر الفرات، آخر المناطق التي يسيطر عليها "داعش". وهم اعتقدوا أنهم كانوا على وشك قتله خلال الصيف، الا أنهم لم يفلحوا في ذلك على ما يبدو.

وحالياً، لم يعد "داعش" يسيطر الا على 30 في المئة فقط من مساحة محافظة دير الزور تضم نحو 30 قرية وبلدة على ضفاف نهر الفرات، فضلا عن منطقتين صحراويتين، الاولى في الريف الشرقي حيث تخوض قوات سوريا الديمقراطية بدعم أميركي عمليات ضده، والثانية في الريف الجنوبي حيث يقاتله الجيش السوري وحلفاؤه.  

الى ذلك، يحتفظ التنظيم بجيوب محدودة في محافظة حمص في وسط البلاد، فضلاً عن حي الحجر الأسود وجزء من مخيم اليرموك في جنوب دمشق.

كما يسيطر فصيل "جيش خالد بن الوليد" الموالي له على مناطق محدودة في محافظة درعا جنوباً.

وفي العراق، لم يعد أمام القوات العراقية من جهتها سوى قضاء راوة المجاور ومناطق صحراوية محيطة من محافظة الأنبار، لتعلن استعادة كل الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014.

"حزب الله"

وفيما يستبعد أن يكون البغدادي مختبئاً في الجيوب السورية او العراقية، تبدو احتمالات وجوده في دير الزور المفتوحة على الصحراء هي المنطقة أكبر من غيرها.

وصدرت اليوم آخر الانباء عن مكانه  عن الإعلام الحربي لـ"حزب الله" الذي قال أن زعيم "داعش" كان موجودا في مدينة البوكمال السورية خلال عملية الجيش السوري وحلفائه لاستعادة المدينة.  

ولم يحدد التقرير ما الذي حدث للبغدادي ولا تفاصيل أكثر أو مصادره. ورد التحالف الدولي بأنه لا يملك معلومات "أي معلومات يمكن إعلانها" بشأن مكان البغدادي.  

وبدوره، يقول المدير التنفيذي لموقع "دير الزور 24" عمر أبو ليلى أن حديث الحزب عن وجود البغدادي في البوكمال هو محاولة لتغطية خسائره في المنطقة، ولتبرير هجومه الفاشل على المدينة.

احتدام المعارك

وتأتي هذه التقارير الجديدة عن مكان البغدادي مع احتدام المعارك على البوكمال الواقعة على الحدود السورية -العراقية والتي يقابلها في أراضي العراق قضاء تلعفر، الذي حررته الأسبوع الماضي القوات العراقية المشتركة من قبضة "داعش".

وكان الجيش السوري أعلن الخميس السيطرة بالكامل على المدينة، ولكن "المرصد السوري لحقوق الانسان" أفاد اليوم أن التنظيم شن مساء الخميس هجوماً مضاداً أتاح له صباح الجمعة الاستيلاء على أحياء عدة في الجزء الشمالي من المدينة.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان التنظيم سيطر على "أكثر من 40 في المئة من المدينة، تتركز في أحياء في شمالها وشمال شرقها وشمال غربها"، موضحاً أن داعش يحاول الدفاع عن آخر معاقله" في سوريا، حيث لا تزال الاشتباكات العنيفة مستمرة.

وأكد عبد الرحمن  أن البث المباشر الذي قام به النظام اليوم هو من ضواحي البوكمال ويؤكد خلافاً لما ادعوه، بأنهم لا يسيطرون على المدينة.

 وكانت قوات النظام السوري وحلفامع حلفائها حققوا تقدماً سريعاً باتجاه المدينة عززه سيطرة القوات العراقية الأسبوع الماضي على قضاء القائم على الجهة المقابلة للحدود. وفي رأي عبد الرحمن أن "حزب الله والحرس الثوري الايراني ومقاتلين عراقيين شكلوا عماد المعركة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من البوكمال".  

وتشهد محافظة دير الزور عمليتين عسكريتين منفصلتين، الأولى يقودها الجيش السوري وحلفاؤه بدعم روسي عند الضفاف الغربية لنهر الفرات حيث تقع دير الزور والبوكمال، والثانية تخوضها قوات سوريا الديمقراطية، وهي فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، عند الضفاف الشمالية للنهر الذي يقسم المحافظة.

من هذا المنطلق، يقول أبو ليلى أن الزخم الجديد ل"حزب الله" والميليشيات الاخرى جاء بعد زيارة قام بها قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني لدير الزور، الا أنه يرى ان كل السيناريوات لا تزال مفتوحة بالنسبة الى المدينة، "ولا يزال ممكناً شن هجوم لقسد وفصائل الجيش الحر"، مؤكداً أن القوات المولية للنظام لا تزال في منطقة البادية.

(النهار اللبنانية)