بشار دراغمة - النجاح الإخباري -  

رحلتها الجبلية الصعبة افتقدت لشهادة ميلاد، كانت دائمًا تندب حظها بعد أن تجاهل التاريخ يوم ميلادها، في آخر لقاء أجرته "الحياة الجديدة" معها قبل وفاتها بأيام في العام (2003) كانت تردد ما جاء في سيرتها الذاتية قائلة: " ولدتني أمي في ضباب السنين، أسأل أمي، لكن في أي فصل وتجيب ضاحكة: كنت يومها أطهي العكوب، هذه شهادة ميلادك التي أحملها، لا أذكر إلا أنني شعرت بالمخاض وأنا أنظف أكواز العكوب من أشواكها"، فوالدتها كانت مثل غيرها من الفلسطينيات تؤرخ الأحداث بالمناسبات والكوارث لا بالأرقام، فتقول"سنة الزلزال، وسنة الثلجة الكبيرة" وما على ذات الشاكلة من مناسبات".

فدوى طوقان التي أفنت سنوات تبحث عن تاريخ ميلادها ترى أنَّ العالم لم يكن مستعدًا لتقبلها، وتروى كيف حاولت أمها الخلاص منها في الشهور الأولى من حملها، وكيف كان ذلك عن سبق اصرار وترصد بتكرار المحاولة أكثر من مرة وكانت تفشل دوما.

لم تيأس فدوى وأصرت على رحلتها الجبلية الصعبة في البحث عن يوم الميلاد، كانت أمها تقول لها: "أدلك على مصدر موثوق لتتيقني من تاريخ ميلادك، حين استشهد ابن عمي كامل عسقلان، كنت في الشهر السابع للحمل، فكانت فدوى ترد على والدتها " لم يبق أمامي إلا أن أستخرج شهادة ميلادي من شواهد قبر ابن عمك"

فدوى طوقان التي جهلت تاريخ ميلادها ولربط أمها يوم ولدتها على جبلي عيبال وجرزيم بمناسبة تنظيف العكوب الذي يكون في "عزه" في شهر آذار من كل عام، يُعتقد أنها ولدت في هذا الشهر من العام (1917).

رحلت فدوى دون إدراكها أنَّ يوم ميلادها تحول إلى احتفالية كبرى تقام فيها المؤتمرات والندوات ويتفنن الشعراء في صياغة عذب الكلام، ويتألق الأدباء والنقاد في تقديم الأوراق العلمية حول حضور فدوى في تفاصيل حياة الفلسطيني.

مئة عام مرَّت على ولادة فدوى، لتشكل حالة ابنة نابلس الأمية نقطة عبور للكثيرين للتألق في الكتابة عنها.

المؤتمرون في "مئوية فدوى طوقان" بجامعة النجاح، فاضت لديهم التوصيات لهول ما تحدثوا عن "بنت البلد"، فراحوا يوصون بإنشاء متحف خاص للتعريف بالشاعرة الراحلة ونشر الأوراق العلميّة للمؤتمر في كتاب علمي، والاهتمام بأدب فدوى طوقان في الجامعات والمدارس والمؤسسات الثقافية، وترجمة أعمالها وإطلاق اسمها على قاعات ومدرجات في الجامعات الفلسطينية، وتفعيل الندوات والمؤتمرات التي تتناول أدب المقاومة الفلسطينية، وتوجيه الإعلام الفلسطيني إلى الاهتمام بأدب فدوى طوقان وغيرها من شعراء المقاومة.

خلال المؤتمر غرَّد المشاركون بشهادات مختلفة عن فدوى طوقان وقدَّموا دراسات مقارنة بين شعر فدوى بوصفها صوتاً شرقياً وكاتبات غربيات، وآخرون تحدثوا عن طوقان والآخر اليهودي، ولم ينسوا المعلم إبراهيم طوقان، الذي حرَّر الشاعرة الراحلة من الأمية وحرضها بإيجابيته على كتابة الشعر.

فدوى طوقان الأديبة في عيون نقادها، وكذلك في الرسائل الجامعية، حضرت في المؤتمر.

أما الموت اللعين فقفز في المكان عبر ورقة بعنوان الموت في شعر فدوى طوقان.

تنوعت الفعاليات بين مؤتمر وندوة ومحاضرات في المدارس وحضرت فدوى بقوة في المكان وخطفت القلوب والأبصار.
تروي طوقان أنَّ أمها دائما تقص الطرائف والنوادر عن اخوتها، فكان الجميع يضحك، وكانت فدوى تنتظر دورها أن تروي أمها شيئا عنها، لكن ما كانت تنتظره لم يأت قط
تقول "أمي احكي لنا شيئا عني، ماذا كنت أفعل، وماذا كنت أقول، بالله عليكي احكي، لكنها لم تكن لتبل غليلي ولو بطرفة تافهة فأشعر بأنني لا شئ وليس لي مكان في ذاكرتها.
ولدت فدوى ورحلت وباتت كل شئ، بعدما ظنت أنها لا شيء في هذه الدنيا.