حنان باكير - النجاح الإخباري - سئلتُ ذات مرة، هل تنتقدين المجتمع الغربي، كما تنتقدين المهاجرين وسلبياتهم، أم... أرحتُ السائل من عناء الكلام، وأكملت سؤاله: ... أم أني أحابي المجتمع الغربي؟ لا حاجة لي لمحاباة أي مجتمع، فقلمي ليس للإيجار، وإلا لكنت الآن من الأثرياء.

ولكن عندما تنتقد قوما ما، عليك مخاطبتهم بلغتهم، وإلاّ تكون كمن يرقص في العتمة. ففي الموضوعات التي تختص بالاندماج، وأوضاع المهاجرين والموقف منهم، أقوم بكتابتها باللغة النرويجية. وأنتقد الطرفين معا، وفي إحدى المرات، قمت بنقد رئيس وزراء سابق، في موضوع سياسي، حيث لم أتوقع نشر مقالتي، ولكنها نُشرت في الـ "أفتن بوستن"، ودار جدل حولها.  كما نشرت  مقالا رئيسا في الأفتن بوستن، حول عُزوف الشباب المهاجر، عن الخدمة العسكرية في النرويج. ولذلك يعتقد الأصدقاء العرب، أن نقدي مصوب فقط باتجاه المهاجرين، كونه يُكتب باللغة العربية!

إشكالية الإندماج، التي صارت ديلما، تقلق طرفي المعادلة، هي أبرز المشاكل التي تحتاج الى نقاش بعقل منفتح، بعد أن تُرك تعريفه عائما، ولم تضبط حدوده.

في إحدى المرات قالت لي صبية: ذهبت الى حضانة ابنتي، فوجدت كل طفل يلوّن علم وطنه. فرحتُ لأن طفلتي كانت تقوم بتلوين علمنا العربي. لكني بعد قليل ارتبكت وفكرت: يا ترى هل هو من باب رفض اعتبار ابنتي نرويجية، أم من باب مدّ جسور ثقافية بين الجنسيتين!!

ندرك تماما أن لا ملائكة على الأرض. وأن العنصرية حاضرة بين أبناء الشعب الواحد، وأفراد العائلة الواحدة ايضا. شاب باكستاني أخبرني، كيف يهزأ به أترابه.. فكلما شاهدوه يقضم تفاحة أو حبة فاكهة، يسألونه إن كانت حلالا! حوادث مثل هذه، تحدث ولكنها لا تشكل ظاهرة شائعة، وإن كنا لا نتكهن بمستقبلها، في ظل فوز اليمين في أنحاء كثيرة في أوروبا. فقد شكت لي صبية افريقية داكنة اللون، عندما دخلت مقهى صحبة أطفالها، وقد طلبت لهما فطورا على الطريقة النرويجية. لكن لعب الأطفال وشغبهم، أزعج بعض النسوة النرويجيات المتقدمات في السن! فقالت إحداهن مخاطبة المرأة الافريقية: إذا كنتم لا تجيدون تربية أولادكم، فخذوهم وارحلوا! لا نعدم وجود مثل هذه الحادثة، لكننا لا نحاسب البلد المضياف، الذي اعترف بآدمية كل المستضعفين والمنبوذين، ومنحهم شهادة الانتماء الإنساني، مقابل حوادث فردية!

ومن منطلق أن على الغريب أن يكون أديبا، فنحن ننتقد سلوكيات الوافدين، التي تزداد انطواء وعزلة. موجة التدين، أو مظاهره، تزداد انتشارا في الغرب. الإيمان شيء، ومظاهر التدين شيء آخر! ومسؤولية تقليص الهوة بين الطرفين، هي مسؤولية مشتركة، وتقع على كاهل المهاجر بنسبة أكبر. فإذا ما حملنا جواز سفر غربي، وأردنا أن نكون مواطنين في دول غربية، فأضعف الايمان، علينا أن نكون متقاربين معه، الى حد معقول! فلا نرى منقبة تسير الى جانب امرأة ترتدي الشورت أو الملابس المفتوحة، وهما ينتميان الى بلد واحد! لا نقول للمتدينة، ارتدي الشورت، لكن على الأقل أن تبدو لمجتمعها الجديد، كإنسانة عادية، لا تختلف عنه كثيرا.

في حوار قديم حول هذا الموضوع، على صفحات الجرائد، اتهمني محاور نرويجي معروف، بالعنصرية! لانتقادي بعض سلوكيات المهاجرين. وبعد حوار طويل متبادل، خلص الى ضرورة، حماية ثقافة المهاجرين واحترام خصوصيتهم، وحرية سكنهم في مناطق محددة، وأعني عدم سكناهم في مناطق غالبيتها من النرويجيين. وخلصت أنا في حواري، الى ردّ اتهام العنصرية إليه.. فهو وكثر من أمثاله، يريدون تقسيما ثقافيا، يبقى فيه المهاجر، على ما حمل من إرث، من بلاد تعتبر غير متطورة، ولم تصل الى رقي العالم الغربي، ثقافيا واجتماعيا، من باب الإبقاء على تميّز العرق الغربي، عن طريق عدم استفادة المهاجرين، من فرصة التواجد في بلاد متقدمة، سبقتنا بأشواط بعيدة، وبسنوات ضوئية، في كافة الميادين.

هدفي إذا، من نقد المهاجرين، هو الحث على الاستفادة، من فرصة وجودهم في الغرب، لتطوير معارفهم، وتوسيع مداركهم، وتقبل الآخر بمحبة، لا بسبب الحاجة!