النجاح الإخباري - يميل بعض الناس إلى الاعتقاد بقوى خفية شريرة تسبب لهم الأذى والضرر، لذا يلجأون إلى بعض التمائم والطلاسم والتعاويذ لدرء اللعنات والحماية منها، ولا يقتصر ذلك الاعتقاد على منطقة ما في فترة زمنية محدَّدة، حيث لا يخلو مجتمع من معتقدات دينية وأسطورية عن قوى الشر ووسائل سحريّة للحماية والوقاية منها، وأحد أشهر هذه المعتقدات وأكثرها تقبلاً وانتشاراً هو العين والحسد، و الخرزة الزرقاء، التى تبطل سحر قوى الشر الخفية.

وتمثّل العين المرسومة على خرزة كروية أو مفلطحة، وغالباً ما تكون زرقاء، شكل تميمة الخرزة الزرقاء والمعروفة بالتركية «Nazar Boncuk»، التي ترمز لعين محدّقة في الكون تقوم بدرء الشرّ وتحصّن حاملها من المخاطر.

أما اللون الأزرق فيرمز للماء العذب الذي يعطي الحياة، فيما يرمز اللونان الأحمر والأخضر في بعض المعتقدات للخير والحظ، ما يفسر وجود تمائم حمراء وخضراء.

حروب.. وآلهة

وتختلف الروايات حول تفسير رمز الخرزة الزرقاء حيث يعتقد أنَّ الشعوب السامية التي سكنت أطراف البحر المتوسط هي التي رسمت الكف التي تحمل العين الزرقاء، بهدف ترهيب الرومان الذين استعمروا بلدانهم في حقبة من التاريخ، وربما كانت العيون الزرقاء هي ما ميز الرومان عن الشعوب المستعمرة آنذاك، وهو تعبير صريح عن رفضهم للمستعمر الجديد، فكانوا يحملون عصيًّا في أعلاها ذلك الرمز المخيف الذي يهدّد باقتلاع أعينهم، أو يكتفون بإلصاقه على أبوابهم. وفي ما بعد أصبحت رمزاً للحماية من كلّ شر، يحملونها في أعناقهم كقلائد أو يعلقونها على جدران منازلهم.

فيما تقول بعض الروايات، إنَّ أصل الخرزة يرجع إلى القدماء المصريين، الذين كانوا يخافون من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء، ويرفضون وجودهم على الأراضي المصرية.

من جهته، يكشف الباحث «سيريل ألدريد» في كتابه «مجوهرات الفراعنة»، أنَّ الحلي التي كانت تُستخدم لتزيين الرقبة أو العنق تطورت عن شكل بدائي يتمثل في تلك التعويذة التي كانت تتدلى من خيط أو رباط يحيط بالعنق، والتي استخدمها الإنسان البدائي ليقي نفسه من القوى الخفية الموجودة في الطبيعة، والتي كان يعتقد أنَّها ترسل عليه الأعاصير والفيضانات والبراكين والزلازل، وتصيبه بالأمراض·

ويذكر  "ألدريد"، أنَّ أكثر التمائم شيوعًا واستخدامًا بين المصريين القدماء كانت التميمة أو الرقية المصنوعة من الخرز، وأنَّه لم تكن هناك أمة من أمم العالم القديم كلّه مثل مصر التي صنعت هذا القدر العظيم وهذه الكميات الهائلة من الخرز، لشعورهم بالجانب الجمالي في أشكال وألوان تلك المواد الطبيعية، إلى جانب اعتقادهم في القوى السحرية لتلك الخرزات· واختار الفراعنة اللون الأزرق لارتباطه بزرقة السماء التي تسبح فيها الشمس (رمز الإله رع عند المصريين القدماء)، وتعيش فيها الآلهة وتحمي الإنسان وتباركه·

صلة بسحر الأرقام

فيما يرجّح البعض أنَّ للأسطورة صلة بطقوس السحر التي تؤمن بأنَّ لكل عدد ولكل حرف خصائص ودلالات، فالعدد خمسة وكف اليد بهما ذبذبات طاقة الدفاع التي تمنع الأذى عن جسم الإنسان، أو ما يخصه إذا ما دفعت في وجه الحسود، وفي بعض المجتمعات العربية تدفع المرأة بكف يدها (بعد فرد الأصابع الخمسة) في وجه من تظن أنَّه يضمر الحسد لها، فتنطق باسم العدد «خمسة» ومضاعفاته أو أي كلمات مرتبطة به، كقولها «خمسة وخميسة».

شغف الأتراك بالخرزة ... واليونسكو

كما يستخدم الأتراك بشكل خاص الخرزة الزرقاء في كلّ تفاصيل حياتهم، حيث يعتقد الأتراك حتى يومنا هذا بأنَّها تردّ العين والحسد والنحس، ويتفننون في صناعتها، شكلاً ولوناً، ويهتم بها جميع فئات الشعب، بدءًا من البسطاء، ووصولًا إلى الأغنياء.

ولشدة ولع الأتراك بهذه الخرافة «الخرزة الزرقاء»، يلجأ الباعة إلى إدخال الخرزة في معظم بضائعهم، ولم يقصروها على اللون الأزرق فحسب، بل أصبحت تأخذ ألواناً أخرى كالأحمر، والأصفر، والأخضر، وغيرها، ليجدها المشتري تخترق كل احتياجاته.

وتمكَّنت تركيا في عام  (2014) من إدراج ما اعتبرته مجموعة من القيم الثقافية والتراثية إلى قائمة اليونسكو، وكان على رأس تلك القيم الثقافية والتراثية «ثقافة الخرزة الزرقاء».

أمّا في منطقة الشرق الأوسط فقد تأخذ التميمة شكل الكف وتسمى بـ "الخمسة" أو "يد فاطمة" أو "يد مريم"، وغالباً ماتكون زرقاء أيضاً. وينتشر الاعتقاد بوجود ثلاثة أنواع للعنة عين الحاسد فالأولى هي عين غير مقصودة التي تؤذي الآخرين والأشياء عن غير عمد، في حين الثانية تؤذي عن عمد. أما الثالثة فتكون مخفية وغير مرئية وتعدُّ الأخطر. وهنا يأتي دور عين الخرزة الزرقاء، فهي تبصر كلّ أنواع الشرور وتعكس الشر ليعود على حامله بواسطة اللون الأزرق.

(وكالات)